الشعر الوجداني

سُئِلت البارحة عن معنى الشعر الوجداني، ولماذا يعد من أشهر أنواع الشعر؟، لكن كعادتي لم أستطع أن أجيب قبل البحث والتمعن بما خُصَّ هذا الشعر عن سواه. لكن ما استنتجته بدايةً أننا لا يمكن أن ننكر شيوعه كأحد أهم أنواع الشعر في العربية الفصحى.

اليوم في مقالي المتواضع سنقف ونرى بديع الشعر العربي، ونتعرفه مع خصائصه وأهميته وشعرائه. والآن دعونا نركب في ركاب العلم ونكمل.

اقرأ المزيد: أيمن العتوم

ما هو الشعر الوجداني

هو أحد أهم وأقدم أنواع الشعر العربي بعد الشعر الملحمي، حيث يغلب عليه الطابع الذاتي ويظهر ذلك من خلال إبراز مشاعره الخاصة. ومن الممكن أن تكون مشاعر الآخرين. ولذلك يتميز هذا النوع من الشعر بالصدق الذي يعبر عن نفس الشاعر، حيث يعرف أيضاً بأنه الشعر الغنائي فهو ذاك الشعر الصادر عن تجربة الشاعر المؤلمة.

وكان ظهور الشعر الواجداني الأول في الجاهلية، حيث برز في أشعار الحب والغزل، ومن ثم ازدهر في العصر العباسي، وقد لمع في ذلك العصر اسم الشريف الرضي الذي يعتبر من أشهر الشعراء الوجدانيين.

الشعر الوجداني
الشعر الوجداني

مراحل تطور الشعر الوجداني

حال الشعر الوجداني العربي كحال أي شيءٍ وجد منذ القدم، فقد مرَّ بالعديد من المراحل التاريخية، أهمها ما يلي:

في العصر الجاهلي

تعتبر هذه المرحلة من بدايات نشأة الشعر الوجداني، فقد تميز شعراء المعلقات بحس وجداني عالٍ جداً، مما جعل القصيدة الجاهلية تتأثر بذلك، فقد أثراها بالمعاني الذاتية. فأطلقوا على الشعر الوجداني في هذه الفترة الشعر الانفعالي؛ وذلك بسبب ثورة الشعراء على أوضاعهم الاجتماعية آنذاك، ونتيجةً لتجاربهم العاطفية الشخصية.

ومن أهم الشعراء الوجدانيين في العصر الجاهلي، أغلب شعراء المعلقات. مثل: الشاعر طرفة بن العبد، وشعراء الصعاليك.

في عصر صدر الإسلام

شاعت الوجدانية في عصر صدر الإسلام بالشعر العذري، وهو شعرٌ يعد شكل من أشكال الغزل، ولذلك ظهر جانبٌ ثاني من الوجدانية، وهو ما يدعى الإغراق في الذاتية، والترفع عن ملذات الحياة. ومن أهم الشعراء الوجدانيين في عصر صدر الإسلام؛ الشاعر عروة بن حزام العذري.

في العصر العباسي

في الواقع تميز الشعر الوجداني في العصر العباسي بظهور نزعة من التمرد التي بلغت أقصاها في قصائد أبي نواس، فقد تمرد على كل ما هو قديم. حيث دعا إلى التجديد في مناحي الحياة كافة، وبرزت الرومانسية كاتجاه شعري نتج عن النزعة الوجدانية. واتجاه الرومانسية سعى إلى محاكاة الطبيعة. وظهر الجانب الوجداني في شعر الرثاء، خاصة في شعر أبي نواس.

 

خصائص الشعر الوجداني

تتميز الوجدانية بالعديد من الخصائص، أهمها ما يأتي:

الصدق

المراد بالصدق الشفافية والبوح بما يجول بالخاطر. حيث يختفي التكلف، يترك التصنع، مما يدل على أنه صادر عن أحاسيس مجردة من أي أغراض أخرى.

كقول طرفة بن العبد:

خَـوْلَةَ أطْـلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ

تلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ

وُقُـوْفاً بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُـمْ

يَقُـوْلُوْنَ لا تَهْلِكْ أسىً وتَجَلَّـدِ

كَـأنَّ حُـدُوجَ المَالِكِيَّةِ غُـدْوَةً

خَلاَيَا سَفِيْنٍ بِالنَّوَاصِـفِ مِنْ دَدِ

عَدَوْلِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِيْنِ ابْنَ يَامِـنٍ

يَجُوْرُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْراً ويَهْتَـدِي

الذاتية

وتعني أن الشعر نتج عن ذات الشاعر، ولذلك لا يهدف إلى تحقيق مصالح، كما أن الشاعر مرآة نفسه فقط، ومن أهم الأمثلة التي تعبر عن سمة الذاتية قصيدة يا ليلة السفح للشريف الرضي، ويقول فيها:

يا لَيلَةَ السَفحِ أَلّا عُدتِ ثانِيَةً

سَقى زَمانَكَ هَطّالٌ مِنَ الدِيَمِ

ماضٍ مِنَ العَيشِ لَو يُفدى بَذَلتُ لَهُ

كَرائِمَ المالِ مِن خَيلٍ وَمِن نَعَمِ

الشعر الوجداني
الشعر الوجداني

أهميته

للشعر الوجداني أهمية كبيرة تتمثل، فيما يلي:

  • فهو يحفز الشاعر على التعبير عن خلجات نفسه بكل صدق وشفافية.
  • فلا تهدف الوجدانية إلى السعي لتحقيق أي مصالح سوى إظهار مشاعر نفس الشاعر، ولذلك لا يهتم بالتكسب.
  • يعتبر الشعر الوجداني من الأشعار الغنائية، التي تتمتع بحس طربي عالٍ، بالإضافة إلى العاطفة الجياشة، وهو من الأشعار المحببة جدًا لدى المستمعين له.

كتبه

في الواقع، هنالك عدة مؤلفات تناولت الشعر الوجداني في مختلف العصور، أهمها ما يلي:

كتاب الشعر الوجداني في المملكة العربية السعودية:

وذلك من تأليف الدكتور مسعد بن عيد العطيوي، حيث تناول فيه الشعر الوجداني على مر العصور ابتداءً من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث.

 كتاب أروع ما قيل في الوجدانيات:

صدر عام 1996م، وذلك من تأليف الكاتب إميل ناصيف، حيث تناول هذا الكتاب الوجدانية في العصر الجاهلي، وعصر صدر الإسلام، والعصر العباسي أيضاً، ويعتبر من الكتب الشاملة للشعر الوجداني على مر العصور. حيث صدر عن دار الجيل في بيروت.

أنواعه

  1. شعر الترنيمة:

    وهو نوع من الوجدانية يتميز بأنه مختص بالمدح والشكر والثناء، وبالتالي يمجد الله سبحانه وتعالى، حيث قلة منه تترنم ببطل قومي معين أو ببلدٍ ما. لكن التركيز الأكبر للترانيم التي يكون في الأمور الدينية.

  2. المرثية:

    وهي قصائد الشعر الوجداني المختصة بالرثاء، حيث يذكر صفات الميت والبكاء عليه، كما أن هذا النوع من الشعر ارتبط بوصف الأعزاء من الأموات، والجدير بالذكر، أن الرثاء يعتبر غرضاً مستقلاً من أغراض الشعر.

  3. الفخر والهجاء والزهد والحكمة:

    وتتميز هذه الأنواع الوجدانية، بأن فيها كماً هائلاً من المشاعر، حيث تتبلور الأحاسيس بأبهى حلةٍ تظهر به.

سمات الشِعر الوجداني

في الواقع، يركز على الجانب الوجداني المختص بالعواطف والمشاعر، ولكن لا يقتصر على الجانب المادي من الوصففقط، بل يدخل في صميم الأحاسيس. وفي السياق، تمكن من معظم طاقة الشعر العربي، حيث فجر هذه الطاقة وأخرج مشاعرها الكامنة التي كانت راسية. علاوة على ذلك، يؤثر بشكلٍ فعال ومهم في مسك زمام أغراض الشعر وموضوعاته، ويعمل على توظيف المشاعر فيه. بالإضافة، إلى تركه إرثاً كبيراً من الشعر العربي الذي يملك سماتاً من الجمال والحيوية والذي يدعى اسم “ديوان العرب”، حيث ترك كثيراً من القصائد الغنائية الرائعة. ومن ثم، ركزت مواضيعه حول اختلاف المشاعر الإنسانية المختلفة. ومن ثم التزامه بالغزل العذري الذي احتوى على أفكار ومغزى، وقد تحول عن الغزل الفاحش والصريح.

وفي الختام، نلحظ كيف سطع قمر الشعر الوجداني لانتقاء الشاعر نفسه والحديث عنها. بالإضافة بروز الوجدانية والذاتية بين طيات ذلك الشعر. والجدير بالذكر، أن المهمون معكم لأجل إغنائكم بكل ما هو مفيد.

تابع ملهمون لعلك تكون ملهمًا يومًا ما
قد يعجبك ايضا