شعراء الغزل العذري

الغزل العذري ملحمة الشاعر في رحلة العشق، فكيف أمضى هؤلاء الشعراء حياتهم في ظلّ طهارة قلبهم و وفائهم لمن أحبّوا؟.
كما أنّهم سطّروا هذه الملاحم التي يجب على العرب أجمع بأن يفخروا بها، ضاربين بها المثل في وصول العشق إلى ذروته. فأيّ فؤادٍ هذا الذي يجعلهم مجانين فاقدي العقل؟.
هذا الذي سُمي بالغزل العذري، إليك الكثير عن تفاصيل هذه الملاحم الشعرية العربية الطاهرة و النقية. فإنّنا إذا سلّمنا بأنّ معركة الحب هي المعركة الوحيدة التي يكون فيها الطرفان منهزمين.
كيف يمكن لشاعرٍ أحبّ بقلبه و لم يستسلم لمعاناة فقده؟. فهناك أعلام لمذهب شعري سُمي بالغزل العذري العفيف وهم: قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى. فهو مجنونٌ من مجانين العشق. كما أنّك لا تعرف صدفةً تجمع بين قيسين في مذهب عذري ؛ وأيّ صدفة تجمع بين قيسين قد دخل جوهر العشق إلى قلبيهما و عُرفا بالمجانين، حتى صار يضرب بهما المثل. إنّه قيس بن ذريح المعروف بمجنون لبنى، فكيف كُتِب لمسيرة عشقه و من هي تلك التي أحبّها لدرجة الجنون؟.
كما أننا سنعرج قليلا حول تعريف الحب العذري.

اقرأ أيضاً:معاناة العشق عند قيس بن ذريح

نشأة الغزل العذري

كما يعود نسب الغزل العذري إلى قوم بني عذرة، القوم الذين سكنوا في شمال المدينة المنورة، في وادي القرى، كما أنّه روي أنّ أحداً سأل أعرابيّاً: ممّن أنت؟ قال: أنا من قومٍ إذا عشقوا ماتوا. أمّا بداية هذا الغزل يعود إلى العصر الجاهلي إلّا أن هذا الغزل قد تبدّت ملامحه في العصر الإسلامي و في بداية العصر الأموي بشكل واضح، و علاقة الإسلام به أنّه كان له دور كبير في تهذيب ألفاظه الشعرية و أنّه رفض الوصف الفاحش في الشعر، فلجأ الشعراء إلى وصف عذاب حبّهم، من خلال حديثهم عن لوعة فراقهم و اشتياقهم، و صدّ المحبولة. فيذكر الشاعر كيف نشأا معاً وأنّه ليس هناك أي سبب للصدّ.

الفرق بين الغزل العذري و الصريح

لا بدّ من أن نوضح الفرق بين الغزل العذري العفيف و الغزل الصريح، حتى تكتمل صورة الغزل في ذاك العصر الذي حاول الشعراء من خلاله التعبير عمّا يجول في أفكارهم فالغزل العذري كما تحدثنا سابقاً بأنّه فنّ يعتمد فيه الشاعر على وصف إحساسه الصادق بدون أن يذكر أوصاف المحبوبة، كما أنّه شاع في البادية، أمّا الغزل الصريح الفاحش فإنّ أعلام هذا الغزل يعتمدون على وصف مفاتن المحبوبة بدقة، كمّا أنّهم لا يعتمدون على امرأة واحدة، وقد شاع في مدن الجحاز و لا سيما في مكة والمدينة المنورة.

أعلام الغزل العذري

من هنا و من خلال حديثنا عن تاريخٍ خلّده الدهر، بعشق جنوني، لم يسبق أن عرفتِ العرب مثله، فكان روّاد هذا المذهب منهم من حظي بالشهرة مثل (قيس بن الملوح مجنون ليلى) و (جميل بثنية) و منهم ما كان التاريخ أولى بحفظه و احتضانه مثل (قيس بن ذريح).

قيس بن ذريح

ثم إن نسبه فهو: فيما ذكر الكلبي والقحذمي وغيرهما، قيس بن ذريح بن سنّة بن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. و ذكر أبو شراعة القيسيّ أنّه قيس بن ذريح بن الحباب بن سنّة؛ و سائر النسب متّفق. واحتجّ بقول قيس: فإن يك تهيتمي بلبنى غوايةً فقد يا ذريح بن الحباب غويتُ. فأمّا عن عشقه للبنى فإنّه يُروى أنّه كان منزل قومه في ظاهر المدينة، و كان هو و أبوه من حاضرة المدينة.

و ذكر خالد بن كلثوم أنّ منزله كان قرب مكة، فقالوا: مرّ قيس لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة، فوقف على خيمة منها و الحي غائبٌ و الخيمة خيمة لبنى بنت الحباب الكعبيّة، فاستسقى ماءً، فسقته و خرجت إليه به، و كانت امرأةً مديدة القامة شهلاء حلوة المنظر و الكلام. فلمّا رآها وقعت في نفسه، و شرب الماء. فقالت له: أتنزل فتتبرّد عندنا؟ قال: نعم. فنزل بهم. وجاء أبوها فنحر له و أكرمه. فانصرف قيس و في قلبه من لبنى حرٌّ لا يطفأ، فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع و روي.

قيس بن الملوح

كذلك فإن  قيس هو من مجانين العشق المشهورين، وقد ولد في نجد في أراضي شبه الجزيرة العربية، وقد عاش بداية حياته عند بني عامر في وادي الحجاز الذي يقع بين مكة المكرمة و المدينة المنورة، فقد أحبّ ليلى و هو صغيراً حتى كبر هذا الحب في قلبه، و التي أحبّها هي ليلى العامرية، حتى أنّ ليلى كان صغيرة، وقد أمضى قيس حياته يعانى عذاب هذا الحب العذري العفيف، يناشد ليلى محاولاً التقرّب إليها، واصفاً بشعره عذابه فيقول:
متى يشتفي منك الفؤاد المعذّب. و سهم المنايا عن وصالك أقربُ
فبعدٌ و وجدٌ واشتياقٌ و رجفةٌ. فلا أنت تدنيني و لا أنا أقربُ
كعصفورةٍ في كف طفلٍ يزمّها. تذوق حياض الموت و الطفل يلعبُ
فلا الطفل ذو عقلٍ يرقّ لما بها. ولا الطير ذو ريشٍ يطيرُ فيذهبُ

جميل بثينة

زيادة على ذلك فإنّ جميل من روّاد الغزل العذري فهو جميل بن عبد الله بن معمر العذري. أصابه من العشق العفيف ما أصاب غيره من هؤلاء الشعراء التاعسين، فقد علق قلبه عند بثينة بنت حبأ بن حن بن ربيعة، من عذرة، فهي ابنة عمّه، و قد قيل بأنّه أحبّها و هو صغيرٌ، وقد علق قلبه ببثينة شغلته عن سائر النساء، فوقف قلبه و شعره عليها، يذكر اسمها مرّة، و يكني باسم آخر مرة أخرى، حتى شهر بها و شهرت به، و لمّا جاء لخطبتها، رفض لئلا يلحقه عارها، و زوّجها لفتىً من عذرة يقال له نبيه بن الأسود. ممّا جعله يتعلّق بها بشدة، فصار يزورها خفيةً في بيت زوجها، و لم تكن تتوارى عنه إذا جاءها، و تساعدها أخواتها على الاجتماع به. و قد قال فيها شعراً ينبض بالحب و الحسرة و لوعة الفراق و فيها يقول:
ألا ليت ريعان الشباب جديدُ. و دهراً تولّى يا بثين يعودُ
إذا قلت: مابي يا بثينة قاتلي. من الحبّ، قالت: ثابتٌ و يزيدُ
و إن قلت: ردّي بعض عقلي أعش به! قولّت و قالت: ذاك منك بعيدُ

خصائص الغزل العذري

بناءً على ذلك فإن للشعر العذري خصائص يتمتع بها عن غيره من أنواع الغزل في الشعر العربي و يمكن إجمالها في:
– الشعر العذري يبتعد عن الأوصاف الجسدية للمحبوبة.
– يكون الشاعر صادقٌ في اللهجةالموجهة إلى الحبيبة.
– يتميّز الغزل العذري بألفاظ عذبة و تعابير رقيقة.
– العواطف الحارّة؛ بسبب الهيام الذي عاشه الشاعر و هو بعيد عن محبوبته.
– يحاول إظهار الحنين و الشوق الشديدين.
– يبعتدون في شعرهم عن الإغراء الجسدي و الجنسي.

 

و في الختام فإنّ الحديث عن الغزل العذري حديثٌ ينبض بالحب و المعاناة و الفقد، شعراءٌ خلّد التاريخ اسماءهم.

تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما
قد يعجبك ايضا