الأدب والعلم في الأندلس

الأندلس ذروة العلم العربي ومجد العرب في ما وراء المغرب. فكيف وجد العرب هذه الأرض البعيدة عن أراضيهم الأصلية؟
وكيف تمكنوا من الفتح بدون إراقة قطرة دمٍ واحدة؟
وماذا فعل العرب فيها؟. وكم طالت مدة الحكم فيها؟ كلُّها اسئلة ربّما تثير فضولك في معرفة المجد العربي.
كما أنّ غايتنا ليس أن نقف على أطلال مجدنا،نُبكيه و نستبكيه، بل الغاية بأنّ نمجّد قيمة عروبتنا وقيم الروابط التي يجب أن نقف فيها موقف الفاخر بها، وليس المحطّ من قدرها، بالإضافة إلى ذلك كلّه أنّنا نستطيع استعادة المجد و الازدهار من خلال شعورنا بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة.
فالعصر الأندلسي؛حقبة زمنية بدأت في نهاية العصر الأموي في الشرق و بداية للعصر العباسي فيه،فعلى الجهة المقابلة في الغرب وأقصى الغرب كان العصر الأندلسي.
كما أنّ آخر خليفة أموي هرب من بطش العباسيين،إلى الأندلس التي تم دخولها على يد الأمويين،وهو عبد الرحمن الداخل.وسُمي بالداخل لأنه أول خليفة دخل الأندلس حاكماً.

تاريخ العرب في الأندلس

بناءً على ذلك فإنّ الأندلس هو الاسم الذي اطلق عليه العرب المسلمون على شبه جزيرة(إيبيريا) في عام 711 م . بعد أن جاء إليها طارق بن زياد و موسى بن النصير، فرأى الأمور مطمئنة للفتح؛لأنّ وصية الخليفة الأموي “أن كان هناك احتمال لإراقة الدماء فلن يقدموا عليها.”و استمرّ وجود العرب المسلمين فيها
حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1495م.

فقد حقق المسلمون تقدمًا كبيرًا في شمال إفريقيا في عهد الوليد بن عبد الملك. وصلوا إلى المغرب الأقصى (المقابل لما يعرف اليوم بالمملكة المغربية) في مواجهة شبه الجزيرة الأيبيرية. وكان ذلك في سنة 85 هـ. ثم استبدل القائد حسن بن النعمان أمير إفريقيا عام 96 هـ بموسى بن ناصر. جاء من مصر وتوجه إلى القيروان برفقة أبنائه الأربعة الذين لعبوا دورًا مهمًا في توسيع الأراضي الإسلامية.

فقد أصبحت الأندلس جزءاً من الخلافة الأموية في قرطبة التي ازدهر فيها العلم و الأدب وبلغ أوج تطوره و كانت قد وصلت قرطبة إلى ذروة الازدهار في عصر الحاجب محمد بن أبي عامر المنصور لتدخل الأندلس في عصر جديد وقد سُمي بعصر ملوك الطوائف التي جعل من البلاد الأندلسية تستقل بالحكم لذاتها،وهذا ما أضعف الأندلس،ممّا جعل الغرب يطمع فيها و كان ذلك يدفع ملوك الطوائف للاستعانة بملك المغرب يوسف بن تاشفين،فدخلها في المرة الأخيرة قاضيا على ملوك الطوائف و جعل الأندلس كلها على كلمته تحت مسمى دولة المرابطين وقد دام حكمهم بين عامي 1086-1147م،ثم جاء الموحدون القادمون من شمال أفريقيا ليستمر حكمهم في الأندلس بين عامي 1147-1212م.بدأ حكم الموحدين بالضعف بعد هزيمتهم من قبل جيوش قشتالة ليتمكّنوا من الاستيلاء على كامل الأندلس ما عدا مملكة غرناطة والتي سقطت على يد قوات فرديناند و إيزابيلا و كان آخر ملوكها عبدالله الأحمر الملقب بعبدالله الصغير.

ازدهار الأدب في الأندلس

و أمّا ازدهار الأندلس بالعلم و الأدب فإنّ هناك دوافع و عوامل للإزدهار جعل الأندلس تسمو و ترتقي إلى عالمٍ عظيم من المعرفة بالعلوم و عناية بالغة بالأدب و من هذه العوامل:

الطبيعة الأندلسية

فإنّ طبيعة مناخها و جوّها و جبالها و أنهارها و تربتها قد أعطاها الله ما يخطف لها الأنظار و يجمع حولها القلوب و فيها قال المقري و الرازي بأنّ الأندلس هي الأقليم الرابع من الأقاليم السبعة،التي عمرت بها الدنيا،فهي وسط البلدان،بتربة طيبة،و أنهار غزيرة،و معتدله الهواء،فسائر فصولها تأتي على قدر الاعتدال،ولها من الخصواص النباتية التي لا ينتهي ذكرها.

البيئة الاجتماعية

فإنّها من العوامل المؤثرة في ازدهار الأدب في الأندلس فإنها من عوام الناس الذين يجتمعون على روح التذوق للبيان و ينطقون على ألسنتهم الحكمة.
فقد أشار المقري إلى هذا بقوله:””وأما حال بلاد الأندلس في فنون العلوم، فهو تحقيق للإنصاف في شأنهم في باب أنهم أحرص الناس على التميز، فالجاهل الذي لم يهده الله للعلم يميل جاهداً بأن يتميز بصنعة، ولا يرضى بأن يرى نفسه فارغًا عالةً على الناس، لأن هذا لديهم من أعظم القبح، والعالم عندهم معظم من الخاصة والعامة، يشار إليه ويُحال عليه، ويَنْبُه قدره وذكره عند الناس، ويكرمُ في جوار أو ابتياع حاجة وما أشبه ذلك.. “

اهتمام الحكام و الخلفاء بالأدب والعلوم

فهو من أهم العوامل الأساسية في ازدها بلاد الأندلس و وصولها إلى قمة الإزدهار و التطور فاهتمام الخليفة بالأدب ما جعله يهتمّ بتثقيف العامة و توفير مجالس الأدب و العلم لهم،و بأن صاحب العلم ينال حظوة كبيرة لديه، وهذا ما حصل ما خلفاء بني أمية في الأندلس،فقد كانت بذرة العلم على يديهم لحين حصاد الزرع على زمن الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر، لتصل الأندلس على عهده إلى ذروة التطور و الازدهار،بشتى العلوم و مجالات الحياة.

الأغراض الشعرية في الأندلس

من بين ما ازدهرت به بلاد الأندلس أنّها تسعى بأن تتميز بكل شيء عن الشرق،و من الأمور التي جعلها تتميز هي الأغراض الشعرية غير المألوفة من قبل فقد كان أدباء الأندلس يشتركون في كثير من الأغراض مع أدباء الشرق إلّا أنّهم تميّزوا بغرض الوصف فكانوا يتغزّلون بالطبيعة مانحين لها صفات المرأة و من أشهر شعراء الوصف هو ابن خفاجة وهو يصف شجرة يعطيها صفات المرأة الحسناء يقول:
يا رب مائسة المعاطف تزدهى … من كل غصن خافق بوشاحِ
مهتزة يرتج عن أعطافها … ما شئت من كفل يموج رداحِ
حطّ الربيع قناعها عن مفرق … شمط كما ترتد كأس الراحِ
لفاء حاك لها الغمام ملاءة … لبست بها حسنا قميص صباحِ
نضح الندى نوّارها فكأنها … مسحت معاطفها يمين سماحِ
ولوى الخليج هناك صفحة معرض … لثمت سوالفَها ثغورُ أقاحِ
كما أنهم برعوا في أغراض شعرية أخرى و لا سيما الغزل الذي بدا عندهم بصورة مرهفة حسّاسة نذكر منها ما حصل مع ابن زيدون و محبوبته الشاعرة ولّادة بنت المستكفي،فقد كانت ولّادة بنت خليفة عمل أبوها على تثقيفها و كانت تجيد قول الشعر،فأصبحت تستقبل الشعراء و تستمع إليهم و كان من الشعراء الذين أثاروا إعجابها هو الشاعر ابن زيدون و قد نشأت علاقة حب بينهم،فأرسلت له قولها:
وبي منكَ ما لو كان بالبدر ما بدا
وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر
و بادرها قوله :
ودَّعَ الصَبرَ مُحِبٌّ وَدَّعَك
ذائِعٌ مِن سِرِّهِ ما استَودَعَك
يَقرَعُ السِنَّ عَلى أَن لَم يَكُن
زادَ في تِلكَ الخُطا إِذ شَيَّعَك
إِن يَطُل بَعدَكَ لَيلي فَلَكَم
بِتُّ أَشكو قِصَرَ اللَيلِ مَعَك
إذن فإن الأدب الأندلسي كان يتمتع بروح عالية ما يجعلك تستمتع بها و قد برز الكثير من الأغراض غيرها.

الفنون الأدبية في الأندلس

لقد اشتهر في الأندلس فنونا أدبية منها الخطابة والرسائل و الموشحات التي لم تكن موجودة في الشرق.

الخطابة

فقد كانت بواكير الخطابة في الأندلس في أيام الفتح فكان هدفها في أثناء الغزوات التي قام بها العرب استنهاض همة العرب و إعلاء روح المنافسة.

الرسالة

أمّا عن هذا الفن الذي نشأ في بداية الحكم العربي في الأندلس،وكان يكون موجهاً بصيغة رسمية إما لتوثيق الصلة أو بطلب محدد من المرسل، فظهرت الرسائل الديوانية و الرسائل الأخوانية.
أمّا الرسائل الديوانية فتكون خاصة بين الحكام و الأمراء.
و أمّا الأخوانية فتكون بين طرفين من عوّام الناس تربطهم ببعضهم علاقة الصداقة و الأخوّة فكان هذا الفن يصاغ بإسلوب أدبي رفيع.

الموشحات الأدبية

أمّا بالنسبة للموشحات فهي من الفنون الأدبية التي ازدهرت بها الأندلس فالموشحات هو فن شعريّ مستحدث يختلف عن ضروب في التزامه بأمور عدّة
فهي تتكون من اسماط ( اقفال ـ يقابلها الردة ) ومن ابيات تتفرع إلى اغصان ( أجزاء ـ يقابلها دعامات ).

و في الختام فإن الأدب الأندلسي سطّر نتاجاً متميّزاً في تاريخ العرب.

تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما

 

قد يعجبك ايضا