متلازمة القدس | أوهام دينية تصيب المتعصبين أم حالة مرضية تستحق العلاج

مدينة القدس العريقة. تلك البقعة من الأرض المحتلة في فلسطين التي سلبت عقول وقلوب الناس مسلمين ومسيحيين من جميع أنحاء العالم. فيها مهد السيد المسيح ومنها عرج النبي محمد صلوات الله عليه إلى السماء في ليلية الإسراء والمعراج.
حين تزور القدس للمرة الأولى ينتابك شعور رهيب بالعظمة والخشوع. ففي كل ركن من أركانها ثمة ما يوحي لك بالقداسة والطهارة. وهذه المشاعر الجياشة والعميقة قد ترافقك بعد مغادرتك القدس إلى بلدك. وتتطور أعراضها معك. وتحس بأنه من الضروري أن تعود إليها. وتتفاقم الإشكالات النفسية معك حتى ينتهي بك الأمر إلى الإصابة “بمتلازمة القدس” ولا سيما إذا كنت سائحاً غربياً ولست مُعْتَادًا على رؤية كل هذا الطهر والقداسة في مكان واحد.
فما هي “متلازمة القدس” وما أعراضها؟ وكيف يمكن علاجها؟

مفهوم متلازمة القدس

هي عبارة عن حالة من الاضطراب النفسي والسيكولوجي المترافق مع الهلوسات والأفكار الغريبة والأوهام التي تصيب بعض الأشخاص في العالم بعد قيامهم بزيارة إلى مدينة القدس في فلسطين المحتلة. وترتبط متلازمة القدس بالاعتقاد لدى المصابين بها بأن مدينة القدس هي عاصمة مدن العالم بالنسبة لهم. وهناك رأي آخر في مجال الطب النفسي يرفض تصنيف المتلازمة بأنها مرض نفسي. بل يرى بأنها مجرد مشاعر دينية متأججة أكثر من كونها اضطراباً نفسياً.

مَن هم الناس الأكثر عرضةً للإصابة

في الواقع فإن الدراسات والأبحاث التي أجريت على المصابين بمتلازمة القدس أثبتت أن هذه المتلازمة تظهر لدى السياح الذين قاموا بزيارة القدس سابقاً. وقد أثبتت الدراسات التي تم إجراؤها على اثنين وأربعين شخصاً مصاباً بمتلازمة القدس أن معظم هؤلاء المصابين هم أناس متدينون. أو بالأحرى ينتسبون إلى عائلات إسلامية أو مسيحية شديدة التّدين.

وقد قام أحد الأطباء النفسيين المهتمين بدراسة متلازمة القدس بتقسيم المرضى المصابين بهذه المتلازمة إلى ثلاث فئات وهي:

  • فئة المرضى المصابين أصلاً بأمراض عقلية أو نفسية كالفصام مثلاً.
  •  فئة المرضى الذين هم أصلاً على استعداد نفسي للإصابة بالأمراض العقلية والنفسية وقبل أن يأتوا إلى مدينة القدس.
  •  الفئة الثالثة وهي فئة المرضى الذين هم أصلاً أناساً طبيعيون أصحاء يتمتعون بصحة عقلية ممتازة. ولكنهم يتعرضون للإصابة بهذه المتلازمة بعد زيارتهم إلى مدينة القدس. وهذه الفئة من المرضى يمكن علاجها بسهولة وإعادة المريض إلى حالته النّفسيّة السّوية بعد ستة أيام من العلاج النفسي…

والصفة المشتركة بين هذه الفئات الثلاثة من المصابين هو أنهم غالباً من دول غربية متقدمة. وأغلبهم من الذكور. كما أنهم لم يصلوا إلى مستوى تعليمي متقدم في أغلب الأحيان.

متلازمة القدس
مصاب بمتلازمة القدس

ما هي أعراض الإصابة بمتلازمة القدس

من الطبيعي أن يترافق هذا النوع من الاضطراب النفسي مع هلوسات وأفكار غريبة تلامس أحياناً درجة الجنون. حيث يدّعي بعض المصابين بهذه المتلازمة بأنه المسيح. وفي هذا السياق يقول طبيب النّفس كاتي “آخر شخص قال إنه المسيح عالجته منذ فترة طويلة”. وهذا دليل واضح على أحد أعراض متلازمة القدس.

غير أنه ثمة أعراض أخرى تظهر من خلال الصّدمة التي يتعرّض لها أولئك الذين يصابون بمتلازمة القدس. حيث إن أغلبهم يكون حاملاً في عقله ومخيلته الكثير من التصورات حول هذه المدينة الإنجيلية المقدسة.

وفي الحقيقة أنه ليس أمراً غريباً أبداً أن يحمل مشاعر عظيمة وعميقة تجاه مدينة الأقداس. فبالنسبة للمسلم فإنه يشعر بأن هذا المكان كان فيه إسراء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في مدينة القدس ثم عرج به إلى السموات. وبالنسبة للمسيحي فإنه يرى في القدس مدينة المسيح -عليه السلام-. هذه المشاعر العميقة تجعلهم يرسمون صوراً خياليّة ومبالغ بها عن مدينة القدس قبل زيارتها. وعندما يقومون بزيارتها يتعرّضون لصدمة عنيفة بين اعتقادهم عن المدينة وما يشاهدونه.

علاج المصابين بهذه المتلازمة

لقد أولى العلماء اهتماماً كبيراً لعلاج المصابين بمتلازمة القدس. ولا سيما الفئة الثالثة منهم الذين يتمتعون بقدرات عقلية سليمة. وذلك من خلال محاولة الطبيب النفسي معرفة مدى إدراك المريض للأوهام التي يصاب بها. ذلك أنهم لا يفقدون إدراكهم العقلي. ولكن تكمن المشكلة في عدم إفصاحهم عما يشعرون بهم بسبب خجلهم من مرضهم. مما يجعل العلاج أصعب أمام الأطباء النفسيين.

متلازمة القدس
شخص مصاب بمتلازمة القدس يدعي أنه المسيح

دور الإنترنت ومواقع التواصل في تقليل عدد الإصابات بمتلازمة القدس

إن الأمر المفرح مؤخراً هو تراجع عدد المصابين خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. ويعود السبب في ذلك إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فما العلاقة بين هذا وذاك؟
في الواقع فإن انتشار الإنترنت بشكل كبير ومواقع التواصل أيضاً أدى إلى تغير المجتمع وتغير الخلفية المعرفية لكثير من الناس. وهذا بالضبط ما حدث وساهم في التقليل من الإصابة بالمتلازمة. إذ إن الأشخاص الذين كانوا يتعرّضون للإصابة هم غالباً ينحدرون من أسر متزمّتة دينياً. لا تقبل النقاش والحوار الديني وأن هؤلاء في الغالب كانوا يحلمون بزيارة القدس. ونسجوا في رؤوسهم صوراً خيالية وحالمة عن هذه المدينة المقدسة ولما كانت مصادر المعلومات المتوفرة لتصحيح هذه الأفكار غير متوفرة قديماً. لذلك كانوا يصدمون عند زيارة القدس. لوجود فرق كبير بين هذه المدينة الأرضية الطبيعية وبين مدينة القدس الإنجيلية التي رسموا لها صورة في مخيلتهم.

وهنا برز دور الإنترنت كمصدر غني للمعرفة. حيث أصبح اليوم بمقدور الجميع التعرف على القدس قبل زيارتها. ومعرفة الكثير من المعلومات عنها. وبالتالي قلّ وبشكل كبير احتمال التعرض لأي مفاجأة أو صدمة عنيفة بصددها.

وهكذا تراجع عدد المصابين بمتلازمة القدس بشكل كبير في الآونة الأخيرة. ولا سيما خلال السنوات العشر الماضية.
أما بالنسبة لما يجري من أبحاث في مجال فهم وعلاج متلازمة القدس. فإنه تضاءل وانحسر بسبب تراجع هذه الظاهرة.

في الختام يجدر بنا الإشارة إلى ظهور حالات مماثلة لمتلازمة القدس أصابت بعض الأشخاص المسلمين بعد زيارتهم لمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة في السعودية لأداء مناسك الحج والعمرة. وعلى الرغم من أن دراسة هذه الحالات ما زالت قليلة ومقتصرة على ورقة بحثية واحدة. إلا أن البحث ما زال جارياً لاكتشاف هذه الظاهرة ومعالجتها.

تابع ملهمون لعلك تكون ملهما يوما ما
قد يعجبك ايضا