جميعنا نحب الفرح ونعبر عن فرحنا بالابتسامة والضحك.
هذا ما عرفناه وعهدناه في طبيعتنا البشرية. ولكن هل من الممكن أن يموت الإنسان من الضحك؟ تبدو الفكرة للوهلة الأولى غير جدّية ولا سيما وأننا نستخدم عبارة (مات من الضحك) في حياتنا اليومية كتعبير مجازي عن شدّة ضحكه. ولكن ماذا لو أخبرتكم يا أعزائي أن الضحك أحياناً يكون قاتلاً للإنسان. وإن هناك مرض اسمه “مرض الضحك المميت”. نعم بالفعل إنه مرض “كورو” أو ما يسمى أيضاً بمرض الضحك المميت الذي قتل آلاف البشر. فما سر هذا المرض؟ إليكم أصدقائي الملهمون حكاية هذا المرض وجميع المعلومات عنه من الألف إلى الياء.
المحتويات
ما هو مرض كورو “الضحك المميت”
إن مرض الضحك المميت هو عبارة عن مرض فيروسي يصيب الجهاز العصبي المركزي للإنسان. ولا سيما الدماغ حيث يُحدث تشويهاً في الدماغ واختلالاً وظيفياً في عمل بروتيناته. وهذا شبيه جداً لما يحدث للدماغ عند إصابته بجنون البقر. ينتسب مرض “كورو” إلى زمرة الأمراض المرتبطة ببروتين “بريون”. حيث يعتبر هذا البروتين مكوّناً هاماً وأساسياً لجميع خلايا الجسم. ولا سيما خلايا الدماغ وخلايا الجهاز المناعي للإنسان.
يتواجد بروتين بريون في الجسم في حالته الطبيعية بشكل بسيط يذوب وينحل في الماء ويتفكك ويتحلل بشكل سهل مما يتيح له أداء وظيفته في الدماغ بشكل ممتاز وعلى أكمل وجه. أما عند حدوث خلل كما في حالة مرض “كورو” تتوقف خلايا الجسم عن القيام بوظيفتها الطبيعية. بل والأسوأ من ذلك أنه من الممكن أن يقوم بروتين بريون بدور مدمر للخلايا. ومن ثم يتسبب في موت الكائن الحي.
أسباب الإصابة بمرض “كورو”
إن لظهور هذا المرض وانتشاره بين البشر قصّة غريبة. ترتبط بواحدة من أغرب عادات الشعوب وإليكم الحكاية:
تعود القصة إلى الحقبة الزّمنية الممتدة بين عامي ألف وتسعمئة وثمانية وستين. وعام ألف وتسعمئة وخمسة وسبعون حيث اجتاح هذا المرض قبيلة بابو غينيا الجديدة الواقعة في شرقي جزيرة غينيا الجديدة في المحيط الهادي. وتسبب في موت أكثر من ألف ومئة شخص من أفرادها. وكان أغلبهم من قبيلة “فور” التي كانت تسكن في منطقة معزولة بين الأدغال والأحراش. ويعود ذلك إلى أن قبيلة فور هذه من أكلة لحوم البشر إذ إن لديها طُقُوسًا جنائزية غريبة جداً حيث تقوم بأكل لحوم موتاها بطريقة غريبة ومخيفة. إذ إنه عند موت أحد أفراد قبيلة “فور” تجتمع النسوة من أهله وأقربائه ويقمن بقطع أطرافه ورأسه وفصلها عن جسده. ثم يقومون بشيها في أسطوانات يصنعونها من الخيزران. ومن ثم يقومون بأكلها.
كما يلتهمون أيضاً الكبد والقلب والكليتين أي جميع الأحشاء الداخلية ما عدا المرارة وحتى عظام موتاهم يقومون بطحنها وطهوها مع الخضروات. أما بالنسبة إلى دماغ الميت فله عندهم مكانة خاصة ومميزة. حيث يقومون بفتح رأس الميت مباشرة فور وفاته ويتقاسمون التهام دماغه نيئاً ساخناً. ويخصون به أمه وأخته وزوجته ولا يسمح لإحدى سواهم بأكله.
أما الرّجال في القبيلة فلا يتناولون هذا اللحم. وذلك بسبب اعتقادهم بأن أكل لحوم موتاهم سيجلب لهم الحرب وسيعرضهم لخطر الأعداء.
لذلك يقتصر أكل لحوم موتاهم على النساء والأطفال وكبار السن. وبالتالي فإن مرض كورو يظهر لدى النساء والأطفال أكثر من الرجال. حيث تسبب بموت نسبة كبيرة من نساء قبيلة فور.
ما العلاقة بين أكل لحوم البشر والإصابة بالمرض
أدى تزايد أعداد الموتى في قبيلة فور إلى زيادة اهتمام الباحثين والأطباء بدراسة مسببات هذا المرض وعوامل الإصابة به. وقد تمخضت هذه الأبحاث عن النتيجة التالية “إن العامل الرئيسي للإصابة بمرض كورو هو أكل لحوم البشر” فما الصلة بينهما؟
لقد وجد الباحثون أن مرض الضحك المميت يحدث بسبب خلل هرموني يصيب جينات خاصة في جسم الإنسان. مما يسبب تَغَيُّرًا في عمل البروتينات في دماغ الإنسان ويؤدي إلى تشوهه. وحدوث خلل في وظائف الدماغ بطريقة تشبه ما يحدث للعقل عند الإصابة بجنون البقر.
ولفهم أعمق لظاهرة الضحك المميت قام الدكتور الأمريكي كارلتون جايدوشيك بالذهاب إلى قبيلة فور والعيش بينهم فترة من حياته. حيث اكتشف أن أكل لحوم البشر هو السبب في إصابتهم وأكبر دليل على ذلك برأيه هو أن الإصابات تكون بنسبة تسعين بالمئة من النساء وأرجع السبب أن عادة أكل لحوم البشر مقتصرة على النساء في قبيلة فور.
أعراض مرض الضحك “كورو”
إن تسمية هذا المرض بالضحك المميت لم تأت عبثاً بل هي تسمية تتناسب بشكل كبير مع أعراض المرض.
حيث إن هذا المرض يسببه فيروس يضرب الجهاز العصبي المركزي في جسم المريض. ويؤدي إلى دخول المريض في نوبات مفاجئة وغريبة من الضحك بشكل هستيري. تتطور حالة المريض وتزداد تأزماً بعدها فيصاب برعشة مستمرة لا تفارق جسد المريض. يرافقها ألم شديد في المفاصل والعظام وصداع شديد جداً في الرأس. وبمرور الزمن يفقد المريض قدرته على الحراك. ومن ثم يصبح عاجزاً عن البلع والتنفس أيضاً. ويحس بجوع شديد دون أن يتمكن من تناول الطعام بسبب عدم قدرته على البلع. وبعد حوالي من سنة إلى سنتين كحد أقصى من بداية ظهور الأعراض يموت المريض.
كيف يسهم بروتين “بريون” السّام في تطور مرض الضحك المميت
إن مرض كورو هو من الأمراض التي يمكن أن تصيب الإنسان والحيوان ذلك أنه على صلة ببروتين “بريون” الذي هو عبارة عن مكون أساسي ومهم في كافة خلايا الجسم. ولا سيما خلايا الدماغ والجهاز المناعي. هذا البروتين يتحول إلى بروتين سام وفاسد عند أكل اللحم البشري. حيث يتراكم بصورة كبيرة في مختلف أنحاء المراكز العصبية في الجسم كالدماغ والنخاع الشوكي مما يسبب إعاقة عملها. فيظهر ضررها على شكل اضطرابات في الذاكرة والسلوك وضعفاً في الرؤية وفقداناً في التوازن وينتهي بموت المريض في حالة تشبه إلى حد كبير حالة المصاب بجنون البقر.
لقد كان للطبيب الأمريكي كارلتون غايدوسيك الفضل في اكتشاف هذا المرض. وقد حصل على جائزة نوبل في الطب بسبب اكتشافه مرض “كورو” ومن الجدير بالذكر أن العالم يحتفل في كل عام بذكرى ميلاد هذا الطبيب العظيم في التاسع من أيلول من عام ألف وتسعمئة وثلاثة وعشرين.
وفي الختام أقول الحمد لله على نعمة الإيمان. أبعد الله عن الجميع هذه العادات أولاً وهذه الأمراض ثانياً وزيننا وزينكم بنعمة العقل والإيمان.