تستيقظ صباحًا على الإنذار الأخير للمنبه وتهرع مسرعًا إلى عملك، وعندما تصل تحشر نفسك مع ثمانية أشخاص آخرين في المصعد لتوفر على نفسك عدة دقائق إضافية يهدرها الصعود على السلم، ولكن بعد أن أُغلقت أبواب المصعد بدأت تشعر بشيء غريب! ضاق صدرك وتسرّعت دقات قلبك وشعرت بأن الدم صعد فجأة إلى رأسك، ثم بدأت تشعر بالاختناق وكنت تود الصراخ ولكن في اللحظة الأخيرة فُتحت الأبواب، خرجت مسرعًا وتنفّست الصعداء ثم أدركت أن خوفك من التأخر على العمل قد أنساك لوهلة أنك تعاني من الكلوستروفوبيا.
المحتويات
ماهي الكلوستروفوبيا
الكلوستروفوبيا أو الخوف من الأماكن المغلقة هو خوف غير منطقي وغير مبرر من الأماكن المغلقة التي لا تحتوي على نوافذ أو الأماكن الضيقة والمزدحمة كالمصاعد والأنفاق والطائرات والغرف المكتظة بالناس. وتتفاوت درجة هذا الخوف من مجرد توتر خفيف إلى نوبات ذعر شديدة تؤثر على الحياة الطبيعية للمريض. حيث يخاف المريض بشكل رئيسي من عدم وصول الهواء للداخل وفقدان السيطرة والشعور بالاختناق.
ويمكننا القول بأن الكلوستروفوبيا هي من أشيع أنواع الفوبيا على الإطلاق. حيث تبلغ نسبة المصابين بها حوالي 12.5% من سكان العالم وهي أشيع لدى النساء.
وقد أكدت إحدى الدراسات أن الكلوستروفوبيا مرتبطة بمفهوم المسافة الشخصية للإنسان. وهي المساحة التي تحيط بنا والتي لا نسمح بتجاوزها إلا للأشخاص المقربين وتقدر وسطيا ب50 سم. حيث اكتشفت هذه الدراسة التي نشرتها مجلة cognition عام 2011 أنه كلما ازدادت هذه المسافة حول الشخص زاد احتمال أن يكون مصابًا بالكلوستروفوبيا. لذلك قد يرتبط الخوف من الأماكن المغلقة بالانطواء أو يعبر عن مبالغة في تقدير المسافة الشخصية وخوف كامن من الغرباء. ويفسر هذا ارتباط الكلوستروفوبيا بالرهاب الاجتماعي كما أفادت إحدى الأبحاث .
ماهي أسباب الخوف من الأماكن المغلقة
يرجح العلماء أن السبب الرئيسي وراء تطور الكلوستروفوبيا هو التجارب الأليمة السابقة المرتبطة بهذا الموقف. فمثلاً الشخص الذي تعرّض في طفولته للإساءة والتنمر كالحبس في خزانة أو صندوق أو قبو مؤهَب كثيرًا للإصابة بالخوف من الأماكن المغلقة فيما بعد.
وقد لا ينتج هذا الخوف عن تجربة شخصية بالضرورة، بل ربما تجربة أليمة عاشها أحد أفراد العائلة وسببت له الكلوستروفوبيا التي انتقلت إلى باقي الأفراد بسبب تعاطفهم معه وخوفهم من التعرض للموقف ذاته.
كما يمكن تفسير الأمر على أنه فرط استثارة في منطقة اللوزة الدماغية Amygdala _المسؤولة عن الشعور بالخوف_ تجاه المنبهات التي لا تُشكل تهديدًا ولا تحرض استجابة خوف في الأحوال الطبيعية.
كما توصلت دراسة نشرتها مجلة translational psychiatry إلى أن هناك طفرات جينية مسؤولة عن تطور الكلوستروفوبيا. حيث أن التغيرات في جين يدعى Gpm6A_ المسؤول عن ترميز بروتين ينظم الاستجابة للتوتر_ كانت موجودة لدى الأفراد المصابين بالخوف من الأماكن المغلقة أكثر من غيرهم.
ماهي أعراض الكلوستروفوبيا
يكون معظم المرضى مدركين لمشكلتهم وواعين للأعراض التي يختبرونها عند مواجهة التهديدات المحتملة. حيث تتحرض نوبات الخوف عند مرضى الكلوستروفوبيا عندما يتعرضون لموقف ذا صلة بمخاوفهم ويعانون من مجموعة من الأعراض تشمل مايلي:
- التعرق.
- ارتعاش الأطراف.
- انزعاج هضمي وغثيان.
- التشوش وفقدان التركيز.
- تسرع التنفس وضيق في الصدر.
- احمرار الوجه والشعور بالحرارة.
- الخوف من الموت أو الإغماء.
- الشعور بالدوار و خفة في الرأس.
- الشعور بالخفقان وتسرع القلب.
- فقدان السيطرة على المشاعر والسلوك.
ماهو علاج الكلوستروفوبيا
يمكن تجاوز الخوف من الأماكن المغلقة من خلال عدة أساليب علاجية منها:
- العلاج السلوكي المعرفي: يركز الأخصائي النفسي في هذا النوع من العلاج على استحضار تجارب المريض السابقة التي أنتجت لديه هذا الخوف من الأماكن المغلقة. ويحاول تفنيد مخاوفه وإرشاده إلى كيفية التعامل معها من خلال التخلص من الأفكار السلبية المرتبطة بهذه الأماكن والاستعاضة عنها بأفكار إيجابية بديلة.
- العلاج بالتعرض: يقوم هذا العلاج على فكرة مهمة وهي أن الإنسان يفقد خوفه مع مرور الوقت من الأشياء التي يواجهها بشكل متكرر. لذا يُطلب من المريض في هذا العلاج مواجهة خوفه والتعرض للمواقف الذي يخشاها بشكل تدريجي كي يتمكن في النهاية من عيش التجربة كاملة دون خوف. ويستطيع المريض أيضاً مشاهدة فيديوهات أو صور للأماكن المغلقة أو الضيقة التي يخاف منها أو تخيلها على الأقل وهو يجلس في مكان مريح بالنسبة له ليتمكن من تجاوز المشاعر السلبية التي تتولد عند التفكير في الكلوستروفوبيا.
- العلاج الدوائي: قد يحتاج بعض مرضى الكلوستروفوبيا إلى علاج دوائي يصفه الطبيب النفسي يشمل مضادات القلق ومضادات الاكتئاب.
- تقنيات الاسترخاء: يمكن أن يتعلم المريض ممارسة تقنيات الاسترخاء كتمارين التنفس العميق والعد التنازلي أو استحضار أفكار آمنة وإيجابية كلما اُضطر للتواجد في مكان مغلق أو مزدحم.
ماهي المضاعفات المحتملة
تؤثر المراحل الشديدة من الكلوستروفوبيا على حياة الإنسان وتمنعه من آداء بعض النشاطات اليومية الطبيعية وتتضمن أبرز هذه التأثيرات:
- تجنب زيارة الأماكن العامة والمنشأت الحكومية التي تشهد ازدحامًا كثيفًا معظم الأوقات.
- عدم الرغبة في الخروج للعمل خوفًا من الانحشار في المواصلات العامة أو المصاعد الكهربائية.
- رفض الخضوع لبعض الإجراءات الطبية الضرورية مثل التصوير بالرنين المغناطيسي بسبب الطبيعة المغلقة لهذه الأجهزة.
- بعد أن يتم تشخيصك بالكلوستروفوبيا، ستزداد فرصة أن تُشخص بإحدى أنواع الفوبيا الأخرى بشكل كبير وفقًا لبعض الدراسات.
وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى أنه لا يوجد إنسان في هذا العالم بلا مخاوف مهما بلغ من الجرأة. ولكن الفوبيا هي اضطراب مرضي ينتج عنه خوف مبالغ به يؤثر على حياة المريض. وتذكر أنه أيًا كانت الفوبيا التي لديك فالقرار دومًا في يدك، إما الاستسلام أو المواجهة.
تابع ملهمون لعلك تكون ملهمًا يومًا ما