البروباغندا | فن التلاعب بالعقول

يقول جوزيف غوبلز وزير الدعاية والبروباغندا النازية “اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب، حتى يصدقك الناس”، هذه المقولة الشهيرة ما تزال حتى الآن، تعبر عن الفكرة الأوضح التي تصف أشهر وسائل استخدام البروباغندا من أجل التلاعب بالعقول وتغيير المعتقدات. باستخدام الكذب أو بتوجيه المعلومات بطريقة مجتزأة و مغلوطة نحو الجمهور. لطالما اعتبرت الكلمة والفكرة سلاحًا فتاكًا، إذا ما أجيد استخدامها، ومن هنا انطلقت فكرة وفن التلاعب بالوعي الجماهيري. لتأخذ فيما بعد دورا رئيسيًّا في تغيير مجرى الحروب وتوجيه الشعوب وتنظيمهم سياسيّا ودينيًّا.

يقول إداوارد بيرنر “إعادة صياغة الجمهور أسهل وأقلّ تكلفةً من تحسينِ جودةِ المنتَج أو الأفكَار وتغييرِها، وبالتَّالِي فإعادة تشْكيلِ الوعي، يعتبر ذكَاءً وفنًّا ومهَارةً لا يُتقِنها إلاّ القلّة من النّاس”. فمن هو بيرنر هذا، وما هي البروباغندا وما أصلها وأنواعها، وما هو الخطر المتمثل بها؟ أسئلة سنعرف أجوبتها داخل هذه السطور.

ما هي البروباغندا ؟

البروباغندا

يشير مصطلح البروباغاندا إلى نشر وتوجيه المعلومات بأسلوب أحادي النظرة، وهذه النظرة تتميز بأنها تتضمن مجموعة من الرسائل تهدف إلى التأثير بتوجه وآراء وأفكار شريحة  كبيرة من الناس. قد يرادف هذا المصطلح كلمات لها المعنى ذاته، فهي تعني دينيّا التبشير، وسياسيًّا الترويج أما في الاقتصاد فتعني الدعاية. لكن قد نفضل ترجمة المصطلح بالترجمة الحرفية Propaganda فضلا عن ترجمتها كدعاية وترويج. هذا ولأن المصطلح لا يقف عند ضخ المعلومة فقط بل يتعدى ذلك إلى السيطرة على توجهات الشعوب واللعب على مشاعرهم والتحكم في العقول وتجييشها.

البروباغندا أصل الكلمة وتاريخ ظهورها

يعود أصلُ مصطلح البروباجَندا إلى اللُّغة اللاّتينية التي تعني “مجمّع نشر الإيمان”، الذي قام بتأسيسه البابا غرِيغوري الخَامس عشرْ عام 1622. حيث أشارت البروباغندا هنا إلى المعنى التبشيري، قبل أن يتغير المعنى في الحرب العالمية الأولى ويرتبط بمفهوم السياسة وتقلبات مواقف الدول.

ماذا عن تاريخ ظهورها؟

لقد شاع استخدام “البروباغندا” خلال الحروب التي عاشتها أوروبا بين عامي 1618 و1648، وذلك بسبب الخوف من أفكار “مارتن لوثر”. فيما تعزز استخدام هذا المصطلح مع ظهور الثورة الفرنسية حيث دخلت الدعاية السياسية كعامل مهم في الصراع السياسي بين الدول.

في حين وخلال الحرب العالمية الأولى، قام “ويلسون” الرئيس الأمريكي آنذاك بتشكيل لجنة دعائية عالية المستوى، سميت بلجنة “كريل” ضمت مفكرين وأكاديميين أمثال أدورد بيرنايس. كما استغل البريطانيون هذه الوسيلة في التأثير بالآراء وتحريض الجمهور ضد الشعب الألماني في الوقت الذي أسست به وزارة للدعاية من أجل ذلك.

أنواع البروباغندا

كنا قد اتفقنا سابقا أن Propaganda هي شكل من أشكال الدعاية تتشكل باتحاد مجموعة من العناصر والتقنيات الحديثة التي تشكل العمود الفقري لنجاحها. وذلك عبر بث أفكار متعددة الأوجه تخدم أجندات معينة، من خلال استغلال الرأي الجمعي للجمهور. وبشكل مبسط يمكن أن نفصل بين عدة أنواع من هذه الدعاية التي تختلف حسب جهة المصدر مضمونا وأسلوبا.

  • الدعاية السوداء: وهي نوع من أنواع الدعاية التي تتستر خلف شعارات وأهداف مغايرة لحقيقتها، كما يختفي وراءها مصدر معلوماتها بحيث توهم المتلقي بأنه حر في التفكير واتخاذ الرأي وهي من وارءه تنسج الخطط والمؤامرات.
  • دعاية بيضاء: دعاية واضحة الأهداف والرسالة، وتطلب علنًا استجابة المتلقي لها.
  • الدعاية الرّمادية: حيث لا لون واضح للأهداف،.فهي تضمر غير ما تظهر مع معلومات ناقصة ومجتزأة.

هل هناك فرق بين الأجندة والبروباغندا؟

من المتعارف عليه أنه لا يمكن نشر الأجندات دون تحضير بروباغندا ناجحة فهذان المصطلحان يترافقان في معظم الأحيان. ولكن هناك فرق كبير بين معنى المصطلحين على الرغم من العلاقة المترابطة بينهما.

فالأولى مصطلحَا تعني المفكرة أو جدول الأعمال في حين تعني الثانية الدعاية الموجهة لخدمة جهة ما من أجل الترويج لأجندتها. وهنا يتتضح أن الأجندة تعني في الواقع المصالح والتوجهات المستترة خلف الدعاية، وهذا ما نلاحظه أثناء تبادل التهم بين السياسيين على وجه الخصوص.

عوامل نجاح البروباغندا

لتحقيق نجاح الدعاية لا بدّ من اكتمال عناصرها، ومن أهم عوامل نجاح البروباغندا نذكر:

  • الإيمان الكامل بأهداف الدعاية المروّج لها ومعتقداتها وأفكارها.
  • عرض أفكار الدعاية بأسلوب يوصف “بالفن الذكي”.
  • اللّعب بالمشاعر ودغدغة الغرائز المدروسة والتي تخص الفئة المستهدف دونَا عن غيرها.

البروباغندا الإعلامية وطريقة تلاعبها بالجمهور

البروباغندا

حين نذكر الدعاية الإعلامية لا بد أن نتذكر “ادوارد بيرنر” اليهودي ذو الأصول الأميركية  الذي كان أول من استحدث مصطلح البروباغندا، متأثرا بفكر “سيغموند فرويد”، وذلك في مجال القدرة على برمجة أفكار الجمهور وجرّه عن طريق اللعب على عواطفه وغرائزه بشكل يحقق مصلحة النخب العليا في المجتمع. وقد لمعت أفكار بيرنر في الغرب والشرق على الرغم من تعارضها مع منظومة الأخلاق والقيم.

في عالمنا العربي وبسبب ما يخوضه منذ آلاف السنين من إرهاصات الحروب والمجاعات والمحن. نلاحظ دورًا مؤثرًا كبيرًا لوسائل الإعلام في توجيه الرأي العام له، وتبنيه لأفكار وتوجهات قد لا تخدم مصالحه. بل هو وإن صح التعبير، متلاعب بوعيه للسيطرة والتحكم به لا أكثر. ويعود السبب بذلك لسذاجته وقلة وعيه وإدراكه.

إن واقعنا الإعلامي الحديث عبر الوسائل المتعددة التي يعتمد عليها، عليه الكثير من التساؤلات، مهما ارتفعت مؤشرات مصداقيته. في حقيقة الأمر نجد أن المهمة الرئيسية المنوطة بإعلام اليوم هو تغليف الفكر والعقل البشري من أجل تحقيق غايات وأهداف مسيطر عليها تماما. بشكل يتنافى والمعايير الأخلاقية.

من هنا يتجلى خطر البروباغندا ووجوب الوعي لها والتفكير بمصدر المعلومة وما أريد بها وتحرير عقولنا من سيطرة الأجندات الخفية، خاصة في الأوقات العصيبة والأزمات الفكرية والسيكولوجية التي نعيشها اليوم.

لو أننا فهمنا آلياتِ العقل الجّماعي ودوافعه، أليسَ من الممكن السيطرة على الجماهير، وإخضاعهم لنسق موحد حسَب رغبتِنا دونَ أنْ يدركوا ذلك؟

“ادواردبيرنر”

أمثلة عن استخدام البروباغاندا

نتفق في أن البروباجندا سلاح ذو حدين، فمتى أسيئ استخدامه كانت الآثار سلبية ومدمرة في حين أنه قد يكون داعما ومساهمًا بشكل إيجابي في حياة الشعوب. وهنا نقدم مثالان تتجلى بهما البروباغندا بأغراضها المختلفة.

روزي السباكة والتأثير الايجابي

البروباغندا
لوحة روزي السباكة

هل مرت ناظريك يوما ما على هذه الصورة؟ إليك قصتها.

خلال الحرب العالمية الثانية كاد الاقتصاد الأميركي أن ينهار بسبب موت أكثر من 400 ألف جندي ناهيك عن الجرحى والمعطوبين.

لكن وعلى عكس المتوقع، ازدهر الاقتصاد الأميركي في هذه الفترة معتمدًا بشكل كبير على قطاع الصناعات المنتجة لآلات الحرب.

ولكن ما علاقة كل هذا بالصورة ؟

هذه اللوحة تمثل الحملة الدعائية الواسعة التي أطلقتها الحكومة عام 1943. من أجل تشجيع النساء الإلتحاق بالقطاعات ذات الأعمال المجهدة مثل معامل الذخائر والطائرات التي عانت من نقص اليد العاملة فيها.

مستخدمين بذلك لوحة “روزي السباكة” والتي رسمها الفنان الأميركي “نورمان روكويل“. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد النساء العاملات بشكل غير مسبوق بين عامي 1940 و1945وذلك بنسبة 27%إلى 37%.

الوجه الآخر للبروباغندا

جوزيف غوبلز هو وزير الدعاية الألمانية الذي اعتبر الأب الروحي للبروباغندا الحديثة، فقد عمل غوبلز على تلميع صورة الزعيم الألماني “أدولف هتلر”، وربطه برمزية المنقذ والحامي لشعبه من الأزمات الاقتصادية والسياسية. ليحصل بذلك على أكبر تأييد جماهيري للحملات النازية.

كما لعبت البروباغندا دورا كبيرًا في تحريض الشعب الأميركي ضد الشعب الألماني. وذلك عبر اعتماد إثارة مشاعر الخوف في نفوس الأميركيين من خلال تزوير الحقائق والمبالغة في عرض المعلومة أو اجتزائها. وبذلك كانت سببا في دخول الأميركان الحرب العالمية الأولى بعد أن كانوا رافضين لها.

في نهاية مقالنا، إنّ السيطرة على العقول والتلاعب بها خاصة مع انتشار وسائل الإعلام الحديث وسرعة وسهولة الوصول إلى فكر الجمهور وعقله. باتت خطرَا محدقا علينا مواجهته بتحرير العقول والرد على البروباغندا المسيّسة بأسلحة الفكر، وكل هذا يقع بالدرجة الأولى على المثقفين وقادة الرأي.

تابع ملهمون لعلك تكون ملهمًا يومًا ما
قد يعجبك ايضا