العيد في الشام | بين ذكريات الماضي والحاضر ماذا تغير في العيد

هل هناك أجمل من فرحة الناس في العيد، ولكن العيد في دمشق له طعم خاص وطقوس مميزة. فما أن يهل هلال شهر شوال ويثبت العيد حتى تعم الأجواء البهجة والسرور. والعيد في الشام عيدين لما يميز هذه البلاد من خير وطيبة وخير شاهد نستشهد به هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخير عشرة أعشار، تسعة بالشام وواحد في سائر البلدان، والشر عشرة اعشار واحد بالشام، وتسعة قي سائر البلدان، واذا فسد اهل الشام فلا خير فيكم )). وهل أصدق من قول النبي الكريم عن الشام وخيرها فلا أجمل من الشام ولا أروع من أجوائها الروحانية التي تعم البلاد في شهر رمضان المبارك. وما يليها في فترة العيد والفرحة التي ترسم على وجوه الكبير والصغير. فما هي طقوس العيد في الشام؟ وما هي التغيرات التي طرأت عليه بين الماضي والحاضر؟.

هذا ما سنتعرف عليه معاً في مقالنا هذا، نرجو لكم قراءة ممتعة ولتكن البداية.

وقفة العيد في الشام

مع حلول يوم ال29 من شهر رمضان المبارك يبدأ الناس بالتماس هلال شهر شوال منتظرينه بشوق كبير. وبترقب ظهور الهلال يثبت العيد، إما بإتمام شهر رمضان لثلاثين يوماً أو اقتصاره على اليوم التاسع والعشرين ويحدد أول أيام العيد بناءً على رؤية الهلال أو تعثر الرؤية.

ومع ثبوت أول أيام عيد الفطر السعيد يتبادل الناس التهاني والتبريكات آملين من الله عز وجل أن يعاد عليهم الشهر الفضيل بالخير واليمن والبركة. وأن يبارك الله في عيدهم ويجعله سعيداً هنيئاً على جميع الأمة الإسلامية.

ولعل أكثر ما يميز بلاد الشام هو التراحم والتآخي بين جميع الطوائف فترى المسيحي يبارك لجاره المسلم ويشاركه احتفاله. تماماً كما يفعل المسلمون في أعياد المسيحين. فهل هناك أجمل من هذه الصورة التي يرسمها أهل الشام في عيون العالم ككل.

أما بعد، فما هي إلا بضع ساعات وتبدأ روائح الحلويات الدمشقية بالإنبعاث من شرفات البيوت ترافقها رائحة الياسمين المعتق. وكأن الشام كلها نقلبت لمطبخ حلويات كبير. فتجتمع العائلة لصنع حلويات العيد تحضيراً لاستقبال الضيوف فترى الجدة تحضر المعمول الشامي وزوجات أولادها من حولها يقدمون لها المساعدة. فترى الأولى تحضر أقراص العجوة والثانية تضعهم في القوالب والأخرى تشرف على وضعهم في الفرن. وترى الأطفال يلعبون حولهم ويتذوقون ما يصنعون ومع أن الحلويات الجاهزة متاحة في الأسواق. إلا أن حلويات المنزل لها طعم خاص فهي وكما يقال صُنعت بحب، والنادر من العائلات تلك التي تشتري الحلويات الجاهزة. وبعد ذلك تبدأ حملة التنظيفات الخاصة بالعيد فلابد أن يأتي الضيوف للزيارة والتهنئة والبيوت تفوح منها رائحة النظافة وهو تقليد متعارف عليه حتى يومنا هذا.

ومع انتهاء وقفة العيد ينام الجميع بعد أخذ حمام ساخن وقد انهكهم التعب، استعداداً للعيد في اليوم التالي.

استقبال أول أيام العيد

مع بزوع شعاعات الشمس الأولى يسيقظ أهل الشام جميعاً على تكبيرات العيد وقد أرفقنا لكم فيديو يصور روعة وجمال المشهد وجميع مآذن الشام تصدح بصوت واحد ((الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا ..وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا.. لا إله إلا الله)).

يبدأ نهار العيد بذهاب الرجال لتأدية صلاة العيد ومن تقاليد أهل الشام أن يذهبوا لزيارة القبور بعد تأدية الصلاة ويزرعون على قبور أقربائهم “الآس”. وهي نبتة خضراء ذات رائحة طيبة توضع على القبور ووضع الزرع على القبور هو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعد ذلك يبدأ الناس بالزيارات ووقتها غير محدد فمنذ مايقارب الخمسين عاماً كانت الزيارات تبدأ من بعد صلاة العيد وحتى وقت الغروب. وهو أمر اختلف في وقتنا الحاضر، فيزور الأب أولاده والولد أعمامه وخالاته وهو ما يعرف بصلة الرحم. علاوة على ذلك اعتاد الناس في اليوم الأول من العيد الاجتماع في بيت الجد الكبير فتجتمع الأسرة من كبيرها إلى صغيرها دون استثناء. ويتبادلون التهاني ويستمتعون بتبادل الأحاديث، بالإضافة إلى ذلك يجتمعون على مائدة واحدة لا كرب ولا حزن يفرقهم.

ولعل البساطة والدفء والحميمية هي العنصر الأميز في تلك الإجتماعات العائلية.

المعمول الشامي
المعمول الشامي

العيد في الشام كما يراه الأطفال

مما لاشك فيه أن فرحة العيد في أعين الأطفال لها طعم مختلف، فتروي لي جدتي أنهم كانو يبيتون ملابس العيد بالقرب من السرير من شدة فرحتهم بها. فما إن يسمعوا تكبيرات العيد حتى يستيقظوا بنشاط غير معهود في باقي الأيام. ويقومون باراتداء الملابس الجديدة، التي حضرتها الأم. ويبدأون باستلام العيدية، والعيدية هي مبلغ مالي يحصل عليه الطفل في العيد حصراً. من الأهل والأقارب ولأنها مرتبطة بالعيد سميت عيدية، وهل هناك فرحة أكبر من فرحة الحصول على العيدية.

بعد ذلك يذهبون للعيد والاستمتاع بالألعاب التي لا تتواجد إلا في أيام العيد، على أيام جدتي كانت الألعاب تقتصر على مرجوحة خشبية بحجمين مختلفين للكبار والصغار. والحنتور الذي يعتبر أشبه بسيارة في يومنا هذا ويذهبون بواسطته في نزهة بالحارات، بالإضافة إلى وجود صندوق العجائب. هذا الصندوق يقوم بعرض قصة مصورة عبر نافذة مستديرة تكاد لا تتسع لرأس طفل صغير والرواي هو صاحب الصندوق نفسه.

وبالتأكيد لا ننسى أطيب المأكولات التي يحبها الأطفال وهي “دبوس الولد، الفول النابت، البليلة، المخلل، وغزل البنات”. وينتهي اليوم الأول من العيد بعد أن يصرف الطفل كل عيديته على الألعاب والمأكولات اللذيذة المحصورة بوقت العيد فقط. ويعودون بعد ذلك منهكين من التعب وينامون بعد قضاء يوم لا ينسى.

وفعلاً تلك الأيام لاتنسى لبساطتها وجمالها. وأكبر دليل على ذلك هو أن جدتي لاتزال تحتفظ بتلك الذكريات، حتى بعد مضي عشرات السنين.

صندوق العجايب
صندوق العجايب

ترى ماهي الاختلافات التي طرأت على طقوس العيد؟

في الحقيقة الذي لم يتبدل ولم يختلف على مر السنوات، هو الفرحة التي ترافق قدوم العيد وخاصة عند الأطفال. ولكن لابد أن نذكر أن هناك عدة اختلافات بين العيد في الماضي والحاضر ولعل أبرزها أن أغلب الناس اليوم يشترون حلويات من الأسواق. وبالتالي لم تعد الروائح الطيبة تبعث من البيوت كما كانت في الماضي.

والاختلاف الأكبر، أن ما يتواجد في العيد اليوم هو متاح في جميع الأوقات. فأماكن اللعب التي تحوي ألعاب من مختلف الأشكال والأصناف باتت متاحة في كل أوقات السنة. وبالتأكيد لم يعد الجميع يلتزم بعادات الأهل القديمة فالزيارات اليوم لا تبدأ قبل الظهيرة وبموعد مسبق. والاجتماعات العائلية أصبحت أقل مما كانت عليه في الماضي لسبب أو لآخر.

أجواء العيد في الشام
أجواء العيد في الشام

 

في الحقيقة، ومع كل ما ذكر يبقى في البال ذكريات أكبر من تلك التي كتبت هي في داخل كل من عاصرها من أجدادنا. وتبقى حكاياتهم عن تلك الأيام من أجمل الحكايات التي لا نمل ولا نكل من سماعها. ومع كل الاختلافات في طقوس العيد يبقى العيد في الشام ذو نكهة مختلفة لا يعرفها إلا من عاشها.

نأمل أن نكون قدمنا لكم معلومات ممتعة في مقالنا هذا، وأن تكون أعيادكم سعيدة دوماً وتحمل لكم الخير والسرور.

تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما

 

 

قد يعجبك ايضا