شارع المتنبي لمن لم يسمع به مسبقاً هو خامس أهم شارع للثقافة في العالم، حسب تصنيف الأمم المتحدة. ليس من المبالغة تشبيه هذا الشارع بعاصمة ثقافة! فما يضمه سوقه المفتوح من مكتبات ومخطوطات نادرة، وما يحفل به خاصة في يوم الجمعة من ملتقيات ثقافية ولقاءات إعلامية ومعارض فنية جعلته مكاناً عريقاً لا مثيل له خاصة في عالمنا العربي. فأين يقع شارع المتنبي يا ترى؟، ملهمون يجيب على هذا السؤال وأسئلة أخرى فكن معنا في رحلتنا إلى شارع المتنبي.
المحتويات
أين يقع شارع المتنبي
يعتبر شارع المتنبي أقدم سوق للكتب وأحد أبرز الأماكن الثقافية ويقع في وسط العاصمة العراقية بغداد، حيث يتفرع من شارع الرشيد باتجاه نهر دجلة.
ما بين تمثال للمتنبي من جهة وقوس مزخرف بارتفاع 10 أمتار خطت عليه أشهر أبياته من الجهة المقابلة تستطيع أن تشعر بأهمية المكان التاريخية.
يبلغ طول الشارع ما يقارب كيلومتر واحد، وينشط عادة في يوم الجمعة حيث يعج الشارع بالمكتبات والأكشاك التي تتضمن كتباً منوعة باللغتين الإنجليزية والعربية.
تاريخ شارع المتنبي
يعود تاريخ الشارع إلى العهد العباسي، واشتهر بما يضمه من مطابع ومكتبات عريقة تزخر بالكتب والمخطوطات النادرة، إضافة إلى المواقع التاريخية، كالمدرسة المستنصرية والقصر العباسي وغيرها من المباني، من أهمها:
- المتحف البغدادي.
- المركز الثقافي البغدادي.
- جامع الحيدرخانة والأوزبكية.
- مقهى الشابندر التراثي القديم.
- أوّل مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر أنشأها نعمان الأعظمي باسم المكتبة العربية.
- مقر وزارة الدفاع العراقية القديم، الذي كان يمثل المقر الرئيس لإدارة البلاد في تسعينيات القرن الماضي.
- مبنى القشلة أو قاشلاق (الثكنة)، وهو المعسكر الذي بني في عهد الدولة العثمانية 1852م في زمن مدحت باشا وفيه ساعة القشلة الشهيرة التي كانت تدق لإيقاظ الجنود.ويضم البناء المدرسة الموفقية بالإضافة إلى عدة دوائر ومدارس ومحاكم.
ومن مكتباته الأولى المكتبة العصرية بالإضافة إلى العديد من دور النشر، كذلك أقدم المجلّدين وأوّل مزاد للكتب في بغداد.
المتنبي والأوضاع السياسية
تحول شارع المتنبي في ظل الحظر الدولي الذي فرض على العراق، إلى ملتقى للمثقفين كل يوم جمعة حيث يتم عرض آلاف الكتب كما تنتشر فيه مكتبات الرصيف.
فالأوضاع السياسية والاقتصادية اضطرت مثقفي بغداد وكتّابها لبيع كتبهم من أجل تأمين حاجاتهم اليومية، كذلك عرف شارع المتنبي استنساخ الكتب، بسبب ارتفاع كلفة الكتاب الواحد، فوجد البعض في ذلك وسيلةً مربحةً، على الرّغم من المخاطر الأمنيّة والقانونيّة لذلك، لكنه يخفض سعر الكتاب بشكل كبير ما يتناسب مع ميزانيّة القراء.
سبب تسمية شارع المتنبي
تغيّرت أسماء هذا الشارع أكثر من مرة منذ تأسيسه في زمن الدولة العباسية حيث كان يسمى “درب زاخا” وهي كلمة آرامية تعني سوق الوراقين، كذلك سمي درب القلغ وسمّاه السلاجقة “شارع الموفقية”، نسبة إلى المدرسة الموفقية كما سمي سوق السراي نسبة إلى مبنى القشلة وشارع حسن باشا، نسبة إلى القائد العثماني الذي فتحه أوّل مرّة ليكون مسلكاً يذهب من خلاله إلى جامع السراي. وفي زمن العثمانيين سمي “الاكمق خانة”، أي شارع المخابز العسكرية لوجود تلك المخابز مقابل المعسكر التركي آنذاك.
وفي العام 1932 أطلق على الشارع اسم شارع المتنبي، وذلك في عهد الملك فيصل الأول تيمناً بالشاعر العباسي الكبير
رواد الشارع
الكثير من مرتادي شارع المتنبي يحبّذون الجلوس على ضفاف نهر دجلة، أو التجوال عبره بواسطة الزوارق. ومن رواد الشارع عبر التاريخ:
- شخصيات عربية كبيرة منهم أم كلثوم، الكبير زكي مبارك، الشاعر أحمد حسن الزيات، محمد مهدي الجواهري ومصطفى جواد وغيرهم.
- شخصيات عالمية منها على سبيل المثال: الشاعر الهندي طاغور ولويس ماسيون والمستشرق الفرنسي جاك بيرك وغيرهم
إعادة تأهيل شارع المتنبي
تعرّض الشارع في الخامس من مارس عام 2007 لتفجير بسيارة مفخخة أدت إلى مقتل 30 شخصاً، وتسبّبت في تدمير العديد من الأبنية القديمة والمكتبات، كما دمّر مقهى الشابندر واحترقت آلاف الكتب والمكتبات، وتحولت المباني الأثرية إلى ركام؛ ما أدى إلى إصابته بنكبة كبيرة أدت لغياب رواده عنه من أسبابها:
- احتراق المكتبات الكبيرة فيه.
- تردي الأوضاع الأمنية في بغداد.
- فرض حظر التجوال يوم الجمعة بمدينة بغداد.
الثقافة لا تموت
لم يطل الانتظار حتى تمت عملية إعادة التأهيل بمساهمة من الهيئات الثقافية المحلية، وفي عام 2008 أعيد افتتاح شارع المتنبي مجدّداً عبر إقامة نصب جديد للشاعر الكبير من البرونز. بالإضافة إلى إعادة تأسيس المركز الثقافي البغدادي وإعمار مقهى الشهبندر، كما أعيد إعمار مبنى قصر القشلة، فأضحى ملتقى للعديد من المثقفين والشعراء، ومكاناً لإقامة معارض الفنون التشكيلية.
إضافة إلى ذلك شكل ما يقارب 130 فنان تحالفاً عالمياً لعرض أعمالهم الفنية. حيث يتم سنوياً بتاريخ 5 آذار إقامة المعارض والفعاليات حول العالم إحياء لذكرى التفجير وسمي المشروع “شارع المتنبي يبدأ هنا”.
شارع المتنبي لا ينام
بعد أن اكتسى بحلته الجديدة، أصبح هذا الشارع مقصداً ليلياً للعائلات البغدادية، وعادت الحياة إلى شريان بغداد الثقافي.
أخذت عملية الترميم في الاعتبار أعمال الإنارة ما مكّن مرتاديه من زيارته ليلاً. ومنذ إنجاز تأهيله أصبح الشارع يعج بالزوار حتى الساعة الثالثة فجراً، وشملت إعادة التأهيل:
- طلاء الأبنية والمتاجر.
- تجديد واجهاته القديمة.
- إدخال خدمة الإنترنت المجانية.
- تجديد البنية التحتية وخطوط الكهرباء إضافة الى تجديد الأرضية.
لا شك في المتعة التي تمنحها لك زيارة شارع المتنبي، على الرغم من أن هذا الشارع لا يبعد كثيراً عن المفخخات والحواجز والميليشيات إلا أنه يبدو مكاناً منعزلاً عن الواقع السياسي العراقي، مكاناً يروي شغف الباحثين عن المعرفة ويتسع لكل الأحلام التي تقاتل لتبقى مهما كانت الظروف.
تابع ملهمون فلعلك تكون ملهماً يوماً ما