معاناة العشق عند قيس بن ذريح

معاناة قيس بن ذريح مجنونٌ من مجانين العشق، فكيف أمضى هذا الشاعر معاناته مع هذا الحب؟
كيف يمكن لشاعرٍ أحبّ بقلبه ولم يستسلم لمعاناة فقده؟.ومن هذا الشاعر الذي لم يعرفه أحد؟.ستقول بأنني يمكن أريد التحدث عن قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى. تعرّف معنا إلى هذا الشاعر وكيف كانت مسيرة عشقه و من هي تلك التي أحبّها لدرجة الجنون؟

الغزل العذري في طريق قيس بن ذريح

ففي العصر الأموي العصر الذي جاء بعد مرحلة عصر الإسلام ولم يكن هذا العصر ببعيد عنه. وأمام قيم العرب و عاداته حول التشبب بالحبيبة فإن العرب تأبى أن تزوج رجلاً ذكر اسم حبيبته في شعره. لئلا يلحقه عارها، فمن خلال رفض الزواج هو تأكيد على نفي العلاقة بينهما. كما أنّي سأصوّر لك معاناة هذا الشاعر في درب عشقه للبنى التي تعرّف عليها في إحدى الخيام باحثا عن الماء، و بعد أن تزوج منها، لم يرزقه الله بولد منها فأصرّا والداه على أن يطلقها و يتزوج بغيرها.

من هو قيس بن ذريح

فأمّا عن نسبه فهو: فيما ذكر الكلبي والقحذمي وغيرهما، فهو قيس بن سنة بن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. و ذكر أبو شراعة القيسيّ أنّه بن الحباب بن سنّة؛ و سائر النسب متّفق. واحتجّ بقول قيس: فإن يك تهيتمي بلبنى غوايةً   فقد يا ذريح بن الحباب غويتُ.

طلاقه من لبنى

و بعد أن تزوج قيس من لبنى أقامت معه مدّة لا ينكر أحد من صاحبه شيئاً، و كان أبرّ الناس بأمّه، فلمّا ألهته لبنى و عكوفه عليها عن بعض ذلك، فوجدت أمّه في نفسها وقالت: لقد شغلت هذه المرأة ابني عن برّي؛ ولم تر للكلام في ذلك موضعاً حتى مرض مرضاً شديداً. فلمّا برأ من علّته قالت أمّه لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيسٌ و ما يترك خلفاً و قد حرمه الله الولد من هذه المرأة، و أنت ذو مالٍ فيصير مالك إلى الكلالة، فزوجه بغيرها لعلّ الله أن يهب لك ولداً تقرّ به عينك و أعيننا.

إصرار والد قيس على تزوجيه بغير لبنى

فقال قيس: لست متزوجاً غيرها أبداً. فقال له أبوه: فإنّ مالي في سعةٍ فتسرّ بالإماء. قال: و لا أسوءها بشيء أبداً ولله. قال أبوه: فإنّي أقسم عليك إلّا طلقتها. فأبى و قال: الموت ولله عليّ أسهل من ذلك.
فأصرّ عليها إلّا أن يطلقها، وحلف لا يكنّه سقف بيت أبداً حتى يطلق لبنى، فكان يخرج فيقف تحت الشمس،  فيأتي قيس ليقف إلى جانبه فيظلّه بردائه ليحظى قيس بحرّ الشمس حتى تغيب الشمس فينصرف عنه، و يأتي لبنى فيبكي و تبكي معه قائلةً له: يا قيس، لا تُطع أباك فتهلك و تهلكني. فيقال: إنّه مكث كذلك سنة. و قيل أنّ قيساً قال: هجرني أبواي في لبنى عشر سنين أستأذن عليهما فيردّاني حتى طلقتها. ولشدّة ما لقى قيس من فراق لبنى لحق به شيئاً من الجنون و ذهب عقله، و عندما انقضت عدّتها أراد أبوها الرحيل، فدخل على قومها و سألهم عن الحال، فقالوا له: هذه لبنى ترتحل الليلة أو غداً. فسقط مغمى عليه لا يعقل ثم أفاق و هو يقول:
و إنّي لمُفنٍ دمع عينيّ بالبكا   حِذارَ الذي قد كان أو هو كائنُ
قالوا غداً أو بعد ذاك بليلةٍ   فراق حبيبٍ لم يبن و هو بائنُ
و ما كنت أخشى أن تكون منيّتي   بكفّيك إلّا أنّ ما حان حائنُ

حال قيس بن ذريح بعد فراق لبنى

بعد ذلك عانى قيس من فراقه لبنى فجعل يتحسّر عليها و يعاتب نفسه في طاعته أباه، و يأنّبها بشتى ألوان العذاب، فكلمّا قرّع نفسه و أنّبها بلونٍ من التقريع و التأنيب و بكى أحرّ بكاء و ألصق خدّه بالأرض و وضعه على آثارها ثم قال:
ويلي و عولي و مالي حين تُفلتني من بعد ما أحرزت كفي بها الظّفرا
قد قال قلبي لطرفي و هو يعذله هذا جزاؤك منّي فأكدم الحجرا
قد كنت أنهاك عنها لو تطاوعني فاصبر فما لك فيها أجر من صبرا
أمّا عن واقعه و مجتمعه و أمّه التي تحاول أن تنسيه لبنى ممّا دفعها إلى استخدام الحيلة معه حيث بعثت أمّ قيس بن ذريح بفتيات من قومه إليه يعبن إليه لبنى و يعبنه بجزعه و بكائه، فأتينه فاجتمعن حواليه يمازحنه. فلمّا أطلن أقبل عليهن و قال:
يقرّ بعيني قربها و يزيدني بها كلفاً من كان عندي يعيبها
و كم قائل قد قال تُب فعصيته و تلك لعمري توبةً لا أتوبها

زواج قيس بن ذريح بغير لبنى

طلب أيوه منه أن يمرّ بالميسر في أحياء العرب و النزول عليهم فلعلّ عينه تقع على امرأة تعجبه، فأقسم عليه أبوه أن يفعل، فسار حتى نزل بحيّ من فزارة، فرأى جارية حسناء قد حسرت برقع خزّ عن وجهها و هي كالبدر ليلة تمامه، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: لبنى. فلمّا سمع قيس سقط مغشيّا عليه، فصبّت على وجهه الماء، ثم قالت: إن لم يكن هذا قيس بن ذريح إنّه لمجنون! فأفاق فسألته عن نسبه فأخبرها.

فقالت: إنّي علمت أنّك قيس، و لكن حلفتك بالله و بحقّ لبنى أن تصبت من طعامنا. وقدّمت إليه طعاماً، فظلّ قيس يقيم عندهم و قد عرض عليه أخو لبنى الصهر و بعد مدّة عقد الصهر معه و عندما أدخلت عليه زوجته، فلم يروه هشّ إليها و لا دنا منها و لا خاطبها بحرف ولا نظر إليها. و أقام على ذلك أياماً كثيرة.

ثم أعلمهم أنّه يريد الخروج إلى قومه أياماً فأذن ا له في ذلك، فمضى لوجهه إلى المدينة. وكان له صديق من الأنصار بها، فأتاه فأعلمه الأنصاريّ أن خبر تزويجه بلغ لبنى فغمّها و قالت: إنّه لغدارٌ! و لقد كنت أمتنع من إجابة قومي إلى التزويج فأنا الآن أجيبهم، و قد كان أبوها شكا قيساً إلى معاوية و أعلمه تعرّضه لها بعد الطلاق. فكتب إلى مروان بن الحكم يهدر دمه إن تعرض لها، و أمر أباها أن يزوجها رجلاً يعرف بخالد بن حلّزة من بني عبد الله بن غطفان، فزوّجها أبوها منه. فحزن قيس حزناً شديداً و جعل ينشج و يبكي بكاء شديداً.

لقاء قيس بزوج لبنى

فتوالت الأحداث إلى أن يصل قيس إلى زوج لبنى من خلال بيعه ناقة له فقال زوج لبنى لقيس تعال لمنزلي في يوم تقبض ثمنها، فلمّا جاء قيس قال للخادم: قولي لسيدك صاحب الناقة بالباب، فلّما سمعت لبنى صوته عرفت نغمته لكنها لم تقل شيئاً، فقال زوجها للخادم: قولي له: ادخل فدخل فجلس.

فقالت لبنى للخادم: قولي له: يافتى، مالي أراك أشعث أغبر؟ قالت له ذلك، فتنفّس ثم قال لها: هكذا تكون حال من فارق الأحبّة و اختار الموت على الحياة، و بكى. فقالت لها لبنى: قولي له حدّثنا حديثك. فلمّا بدأ يتحدّث عن نصابه كشفت الحجاب وقالت: حسبك! إنّا عرفنا حديثك! و كشفت الحجاب. فظلّ ساعة لا يتكلّم ثم انفجر باكياً و قام فخرج. فناده زوجها: ويحك ما قصتك؟ ارجع اقبض ثمن ناقتك، و إن شئت زدناك. فلم يكلّمه و خرج فاعتزر في رحله و مضى. و قالت لبنى لزوجها: إن هذا قيس بن ذريح. فما الذي جعلك تفعل ما فعلت به؟ قال لها: إنّي لم أعرفه. ممّا جعل قيسٌ يبكي وهو في طريقه و يندب نفسه و يوبّخها.

وفي الختام فإنّ قيس بن ذريح مجنون الهوى الذي خلّد التاريخ اسمه، فإنّنا ربّما عرضنا جزءاً من حياته.

تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما
قد يعجبك ايضا