الصوت الملائكي فيروز

الصوت الملائكي فيروز. لعل الموسيقا هي أجمل ما اخترعته البشرية، نغمات تأخد روحك إلى عوالم رائعة الجمال. تسمو بها إلى أعلى مكان وتصفو بقلبك بعيداً عن كل الألم والكرب. لا يغادر ذهني مشهد منذ الطفولة، يكاد على ما أعتقد أنه منسوخ في ذاكرة أغلبنا نحن الجيل الذي نشأ على أصوات عذبة وموسيقا راقية. كانت أمي توقظنا في السادسة صباحاً لنذهب إلى المدرسة، وكانت رائحة القهوة تفوح في أرجاء المنزل يخالطها صوتٌ عذب يصدح من كل منازل الجوار إنه “صوت فيروز”.

تستطيع القول أن قهوة أمي مع صوت فيروز أصبحا مزيجاً لايمكن فصله أبداً، ولليوم وبعد مرور عشرات السنوات لا تغادر ذهني هذه المشاهد. فكلما شممت رائحة القهوة خطرت على بالي أغاني فيروز في الصباح. وكلما سمعت صوت فيروز شممت رائحة القهوة حولي تملأ الأجواء. نعم إنها الصوت الملائكي إنها قيثارة السماء، إنها السيدة الرائعة فيروز.

صوت الملائكة فيروز
صوت الملائكة فيروز

نبذة عن فيروز

هي فتاة لبنانية، ولدت في حي بسيط في ضواحي بيروت لعائلة لبنانية لطيفة متوسطة الحال. هي نهاد وديع حداد من مواليد ال 21 كانون الثاني لعام 1935. نهاد أو فيروز كما نعرفها جميعاً هي الطفلة الأولى في العائلة. تلاها بعد ذلك ثلاث من الأخوة فأصبحوا أربعة شكلوا عائلة لطيفة مترابطة وكان الأب يعمل في مطبعة تابعة لجريدة لبنانية.

وضع العائلة الاقتصادي لم يكن مرتاحا نوعاً ما، ولكن ذلك لم يؤثر على فنانتنا الجميلة بل كان دافعاً لها دائما. كانت فيروز طفلة تتمتع بالخجل والهدوء و لم يكن لها الكثير من الأصدقاء. وكانت محبة للغناء منذ طفولتها وظهر فيها الإحساس الفني في سن مبكرة.

إضافة إلى أنها كانت تستمع بشغف لأغاني المطربين العمالقة أم كلثوم، عبد الحليم، عبد الوهاب، و فريد الأطرش، أسمهان الذين كانو من أشهر الفنانين في ذلك الوقت. تسترق السمع لهم عبر نافذة بيتها فلم يكونوا يملكون مذياعاً في منزلهم، فقد كان باهظ الثمن في ذلك الوقت وقليلون هم من يستطيعون اقتنائه. كثير ما كانت تطرب الجميع بصوتها العذب في أماسي الشتاء الباردة و هم يجتمعون حول المدفأة في الليالي الطويلة.

فيروز في شبابها
فيروز في شبابها

اكتشاف الصوت الملائكي فيروز

ذهاب فيروز للمدرسة لم يكن بالأمر السهل لما يحتاج من مصاريف ولكن والدها كان مصراً على ذهاب أطفاله للمدرسة. كانت فيروز تغني الترانيم الدينية في مدرستها في الحفلات التي كانت تقام وكان لصوتها عذوبة خاصة وفريدية. وفي إحدى الحفلات تعرف بها أحد الأخوين فليفل ( الأخوان فليفل هما من قاما بتلحين النشيد العربي السوري). وكان في ذلك الوقت محمد فليفل يعمل مدرساً في المعهد الموسيقي اللبناني وكان يبحث عن الموهوبين بالغناء بين طلاب المدارس.

أشاد بصوتها العذب ورغب أن تنضم لكورس الإذاعة، إلا أن هذا الأمر قوبل بالرفض من قبل والد نهاد الذي لم يرغب أن تقوم ابنته بالغناء عبر الإذاعة. وبعد محاولات من الأستاذ فليفل استطاع اقناعه مشترطاً الأب غناء الأغاني الوطنية فقط وأن يكون ذلك برفقة أخيها. دخلت فيروز بعد ذلك للمعهد الموسيقي، لتصبح من أعضاء فرقة الإذاعة الوطنية بعد التحاقها بالمعهد ببضعة أشهر. وقد كانت فرحة فيروز بالانضمام إلى فرقة الإذاعة الوطنية لا توصف.

تخرجت فيروز من المعهد الموسيقي وكانت قد لفتت أنظار اللجنة الفاحصة آنذاك وقدم لها أحد أعضاء اللجنة حليم الرمي لحناً لشدة إعجابه بصوتها. وكانت تلك بداية النجاحات والانتشار عبر الإذاعات العربية. كانت أول اغنية لفيروز عبر الإذاعة في عام 1950 من ألحان حليم الرومي هي ( تركت قلبي وطاوعت حبك )، لتتالى بعدها الأغنيات الرائعة.

الصوت الملائكي فيروز و الرحابنة

اسم فيروز كان لقباً اطلقه الملحن حليم الرومي على نهاد لأنه كان مؤمناً أن صوتها بألقه يشبه حجر الفيروز، كان اللقاء الأول بين فيروز وعاصي الرحباني في الإذاعة اللبناية وكان عاصي حينها من الملحنين المبتدأين.

ليقوم الرومي بطلب ألحان منه لتقوم فيروز بغنائها. وتم الأمر وكانا يجلسان مطولاً معاً للقيام بالتدريب على الأغاني التي كانت تبث مباشرة عبر الإذاعات آنذاك.

وبعد عدة لقاءات وتبادل للأحاديث بين عاصي و فيروز وبعد أن كانت فيروز رافضة لفكرة الزواج. كان للحب رأي آخر فتقدم عاصي بطلب يدها وتمت الموافقة وتم إعلان الزواج في شهر تموز للعام 1954.

فيروز و عاصي
فيروز و عاصي

الثنائي المتألق فيروز وعاصي الرحباني

كان النجاح حليف كليهما فقدما أجمل الثنائيات التي لاقت نجاحاً محلياً و عربياً. بعد أن كان مفهوم الأغنية القصيرة غير مرحب به آن ذاك، وقاما معاً بإنشاء المؤسسة الفيروزية الرحبانية لإنتاج الأفلام السينمائية.

كان التعاون المشترك بين الأخوين رحباني والسيدة فيروز إنطلاقة لنمط جديد من الأغنية العربية وحقق هذا التعاون نجاحاً منقطع النظير وأصبحت أغاني السيدة فيروز تنتشر في جميع الإذاعات العربية. و تردد من قبل المستعمين الذين كانوا ينتظرون ما ستنطق به هذه الحنجرة الذهبية.

كان أول لقاء مباشر بينها وبين الجمهور هو في مهرجان بعلبك الدولي في صيف عام 1957. بعد ذلك قامت بتقديم العديد من المسرحيات الغنائية التي كانت نتيجة تعاونها مع الأخوين رحباني. كان ظهورها الأول على شاشة التلفاز هو في عام 1962 عبر ماقدمته في اوبريت ( حكاية الإسوارة ).

أما أول فلم سينمائي فقد كان فلم (بياع الخواتم) الذي تم عرضه في أواخر عام 1965 و قد كان من إخراج الراحل يوسف شاهين وكان تحويلاً لمسرحية بياع الخواتم التي لاقت نجاحاً رائعاً.

 

أبرز أعمال قيثارة السماء فيروز

تتالت الأغاني الناجحة والمسرحيات و الأفلام، وكانت السيدة فيروز تحقق نجاحاً مستمراً ومن أبرز محطاتها الفنية.

في المسرح قدمت العديد من المسرحيات أبرزها: مسرحية ميس الريم، بياع الخواتم، بترا.

في السينما كانت أبرز المحطات هي: بياع الخواتم، سفربرلك، بنت الحارس.

أما على صعيد الغناء فما قدمته في مسيرتها الفنية أكبر من أن نحصره ببضع أغنيات ولكن المفضلة لدي هي: كيفك إنت، بعد على بالي، كنا نتلاقى، ياريت، وحدن، حبيتك تنسيت النوم.

الصوت الملائكي قيثارة السماء فيروز
الصوت الملائكي قيثارة السماء فيروز

 

في الختام، بالتأكيد إن الحديث عن قامة فنية عريقة كالسيدة فيروز لا ينصفه مقال واحد. ولكن حاولنا قدر المستطاع أن نبرز أهم محطات حياتها وأهم ما قدمته في مسيرتها الفنية.

فيروز صوت الحب، قيثارة السماء، الصوت الملائكي، كلها ألقاب لم توفها حقا فهي ظاهرة لم و لن تتكرر.

فيروز غنت كما لم تغني مطربة قط، غنت للأم، للوطن، للحب، للطفل، غنت فكانت المبدعة دائما في كل ما قدمت. غنت و أطربت و أسعدت ملايين القلوب.

   تابع ملهمون لعلك تكون ملهمًا يومًا ما

 

قد يعجبك ايضا