بعد أن شُخِصت الممثلة آمبر هيرد مؤخرًا باضطراب الشخصية الحدية، أصبحت هناك الكثير من الأسئلة حول طبيعة هذا الاضطراب وخطورته وما إذا كان مسؤولًا فعلًا عن تدمير علاقتها بجوني ديب. وفي الواقع إن هذا الاضطراب أكثر انتشارًا مما نتوقع، لكن هناك الكثير من التعتيم الاجتماعي حول هذه الحالات بسبب الانطباع السلبي عن اضطرابات الشخصية المتأصّل في عقول الناس. ولكن هل الأمر بهذا السوء حقًا؟ وهل هؤلاء المرضى خطيرون على المجتمع؟ وماهي أبرز صفاتهم؟ ستجد كامل الإجابات عن تساؤلاتك في السطور التالية.
المحتويات
ماهو اضطراب الشخصية الحدية
يُصنف اضطراب الشخصية الحدية ضمن المجموعة B من اضطرابات الشخصية. و تتميز اضطرابات هذه المجموعة أنها جميعًا تنطوي على صعوبة في التحكم في المشاعر الموجهة للذات والآخرين. وتعود تسمية الشخصية الحدية بهذا الاسم إلى اعتقاد العلماء سابقًا أنها اضطراب يقع على الحد الفاصل بين الاضطرابات الذهانية والعصابية. ولكن بعد أن تمكنّا من فهم هذه الشخصية بشكل أفضل أصبحت تسمى باضطراب الشخصية غير المتوازنة عاطفيًا، لأنها تعبر بشكل أساسي عن اضطراب في تنظيم المشاعر والتحكم في السلوك لدى الإنسان.
ومثل معظم اضطرابات الشخصية فإن الإحصائيات حول نسبة الانتشار الدقيقة لهذه الاضطراب متفاوتة قليلًا، ولكنها تتراوح بين 2_6% بين عموم السكان. ويبدو أن النسبة الحقيقية أكبر من ذلك، لكن لا يلجأ جميع المرضى لطلب المساعدة الطبية بسبب عدم إدراكهم لمشكلتهم أو خوفًا من التقييم الاجتماعي السلبي.
وقد يلتبس تشخيص هذا الاضطراب مع اضطرابات أخرى مثل الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب. ولكن على أي حال، يبدي مرضى الشخصية الحدية في معظم الأحيان مظاهرًا لاضطرابات أخرى مثل:
- اضطراب المزاج (80_90%).
- اضطرابات القلق (88%).
- مشاكل الإدمان (64%).
- اضطرابات الأكل (53%).
- الاضطراب ثنائي القطب (15%).
ماهي صفات الشخصية الحدية
يبدي المصابون باضطراب الشخصية الحدية مجموعة من الأعراض والسلوكيات منها:
- خوف مبالغ فيه من الهجر والفراق.
- عدم تحمل الوحدة.
- علاقات اجتماعية مضطربة.
- الشعور بالملل أو الفراغ المستمر.
- توقعات عالية مثالية عن المعاملة التي يجب يتلقوها من الآخرين.
- تفسير أي خطأ بسيط في معاملتهم على أنه رفض واضح لهم.
- اضطرابات في الهوية تتمثل بتغيّر مستمر في الأفكار والقناعات والمبادئ.
- تقييم متطرف للأشخاص يتراوح من الإعجاب الشديد والتعظيم إلى البغض والازدراء.
- نظرة خاطئة للذات إما بفرط تقديرها والشعور بالعظمة، أو بكرهها وعدم احترامها.
- عدم القدرة على ضبط النفس والانفعالات.
- سلوكيات عدوانية موجهة للذات أو للمحيط.
- تصرفات غير عقلانية وغير مبررة مثل الانسحاب من علاقة ناجحة، أو الاستقالة من وظيفة جيدة.
- تقلبات مزاجية شديدة تتراوح بين البهجة والاستثارة المفرطة إلى الخمول والاكتئاب تدوم لعدة ساعات، أو لعدة أيام بشكل نادر.
ماهي الأسباب
يؤدي تكامل مجموعة من العوامل البيئية والوراثية إلى نشوء اضطراب الشخصية الحدية. حيث تساهم الوراثة بنسبة 46% في تطور هذا الاضطراب، بينما تؤدي العوامل البيئية والاجتماعية الدور المتبقي. وقد بينت بعض الأبحاث أن 70% من مرضى الشخصية الحدية عاشوا طفولة قاسية أو تعرضوا لحوادث مؤلمة كالاعتداءات الجسدية والجنسية والإهمال وانفصال الوالدين أو وفاة أحدهما.
وأشارت دراسات الرنين المغناطيسي إلى حدوث تبدلات في أدمغة هؤلاء المرضى تتمثل بتغير في نشاط ثلاث مناطق رئيسية في الدماغ هي:
اللوزة الدماغية Amygdala: المسؤولة عن الشعور بالخوف والقلق وتنظيم المشاعر السلبية.
الحصين hippocampus: الذي يساعد على تنظيم السلوك.
القشرة الجبهية الحجاجية orbitofrontal cortex: التي تلعب دورًا في التحكم في الدوافع واتخاذ القرارات.
كما يُتهم انخفاض بعض النواقل العصبية الدماغية المسؤولة عن تنظيم المزاج كالسيروتونين في إحداث هذا المرض.
ماهي أنواع الشخصية الحدية
توجد 4 أنواع فرعية من اضطراب الشخصية الحدية، ويمكن أن يختبر المصاب واحدًا أو أكثر من الأنواع التالية:
-
الشخصية الحدية الاندفاعية
يمتلك المصابون بهذا النوع مستوى عالٍ من الطاقة والسحر والكاريزما. ويكونون عرضةً لسلوكيات متهورة كخوض المغامرات الخطرة والقيادة بسرعة أو إنفاق مدخراتهم بطريقة غير مدروسة.
-
الشخصية الحدية الهادئة
يتميز هذا النوع من المرضى بميل للوصول للمثالية وأداء عالي في الحياة العملية. ولكنهم يشعرون بالغربة ضمن المجموعات وبعدم الانتماء وبأنهم لا يملكون علاقات حقيقية قوية مع أي أحد. لذلك يميلون للعزلة ويشعرون بالوحدة معظم الوقت.
-
الشخصية الحدية العدوانية
يتصف هذا النمط بالعناد وعدم الصبر والعدائية وعدم القدرة على ضبط الغضب والانفعالات، ويعانون من تقلبات مزاجية شديدة.
-
الشخصية الحدية المدمرة للذات
يوجد في هذه الحالة شعور بالمرارة والكره تجاه الذات، كما يميل هؤلاء المرضى للإدمان وإيذاء النفس والانتحار.
ماهو العلاج
يبدأ اضطراب الشخصية الحدية بالظهور في مراحل مبكرة من البلوغ، وتميل الأعراض للتحسن مع التقدم في السن. ويوجد نوعان أساسيان من العلاج هما:
العلاج النفسي: الذي يتضمن العلاج السلوكي الجدالي DBT والعلاج السلوكي المعرفي CBT، حيث يركز المعالج على تحسين علاقات المريض الاجتماعية وتعليمه كيفية ضبط سلوكه ومشاعره.
العلاج الدوائي: يصف الطبيب المختص علاجًا دوائيًا يشمل مثبتات المزاج ومضادات الاكتئاب وجرعات قليلة من مضادات الذهان.
هل يمكن الشفاء من هذا المرض
يساعد تلقي العلاج المناسب على تراجع أعراض الشخصية الحدية بشكل كبير. وقد أشارت دراسة تابعت مجموعة من المصابين باضطراب الشخصية الحدية لمدة 10 سنوات إلى أن معدل التحسن لدى المرضى يبلغ 30% بعد سنة واحدة و91% بعد 10 سنوات، وبالتالي قد يحتاج الوصول للتعافي التام بعض الوقت.
كما تجب الإشارة إلى ضرورة توفير الدعم لهؤلاء المرضى وإرشادهم إلى التماس المساعدة الطبية. لأن إهمال هذا الاضطراب يؤدي إلى تأثيرات مدمرة على المريض تصل في كثير من الاحيان إلى الانتحار. وقد أفادت الأبحاث بأن 70% من المصابين باضطراب الشخصية الحدية سيحاولون الانتحار مرة على الأقل في حياتهم. وينجح 10% منهم في ذلك، لذا فهو أعلى من أي معدل انتحار في أي اضطراب نفسي آخر.
وفي النهاية، يجب أن نساهم جميعًا في نشر التوعية حول اضطرابات الشخصية في المجتمع وإزالة ما يحيط بها من هالة سلبية تمنع المرضى من الاعتراف بمشكلتهم وتحرمهم من عيش حياة سوية بعد تلقي العلاج. وهذا لن يحصل بجهد فردي بل بتكاتف الجميع لإيصال رسالة مفادها أن اضطراب الشخصية ليس ذنبًا ولا عارًا. بل هي مرض بحاجة للعلاج مثل أي مرض آخر قد يتعرض له الإنسان في حياته.
تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما