تخيل أن يطلق ابنك عليك النار. مشهد مرعب أليس كذلك؟ هذا بالضبط ما حصل مع والد ووالدة المراهق الأمريكي دانييل باتريك. والذين ضاقا ذرعاً بابنهما الملتصق لساعات أمام شاشة التلفاز مع ألعاب الفيديو. لذلك أخذوا منه كافة الأجهزة والألعاب. مما دفعه لإطلاق النار عليهما وعندما هرب لم يأخذ معه إلا قرص اللعبة المضغوط. يمكن وصف ما حدث بكلمتين بسيطتين: الإدمان السلوكي. سنتعرف في هذا المقال على السلوكيات التي تسبب إدماناً وكيف تعمل أدمغتنا ضدنا في كثير من الأحيان.
المحتويات
الإدمان ودارة المكافأة والدوبامين
قبل الحديث عن الإدمان السلوكي يجب أن نضع بعض النقاط على الحروف. عندما كان الانسان محاطاً بالأخطار بالعصور القديمة. كان همه الوحيد هو البقاء والتكاثر. لذلك يحتوي دماغ البشر على منطقة تنشط لتدفعك إلى الأفعال التي تكفل بقائك. نتيجة لذلك وكمنتج ثانوي أو جانبي للبقاء يمنحك دماغك شعوراً بالمكافأة والمتعة كي يشجعك على تكرار الأفعال التي تضمن بقاءك. والمادة الكيميائية التي تمنحك الشعور بالمكافأة هي الدويامين. وهي المسؤولة عن الشعور بالسعادة التي تأتي من نشاطات كتناول الطعام والشراب أو ممارسة الجنس. وذلك لأن هذه النشاطات تساعد الإنسان على البقاء وحفظ النوع.
وقد تم اكتشاف مادة الدوبامين في أدمغة الفئران عن طريق الصدفة. وذلك في أحد التجارب التي أجريت في الخمسينات. فقد قام مجموعة من العلماء بتوصيل أقطاب كهربائية إلى مناطق معينة من أدمغة الفئران. وكلما ضغط الفأر على زر في قفصه يتم تحريض هذه المنطقة. وقد فوجئ العلماء أن الفأر بدأ يضغط بكثرة على الزر دون أي مقابل مادي كطعام أو ما شابه. وليس مرة أو مرتين بل آلاف المرات حتى يصل للإرهاق الشديد. لذلك بدأ العلماء بالشك في أن منطقة الدماغ هذه مسؤولة عن تحريض الأفعال بشكل أو بآخر.
لكن هذه العملية ثبت أنها لا تخلو من بعض العيوب والمشاكل إذا عرض الإنسان نفسه لبعض السلوكيات والمواد. فقد ثبت أن المخدرات تحرض الدماغ على إفراز كميات كبيرة من الدوبامين. مما يسبب إثارة كبيرة للخلايا العصبية وشعور كبير بالانتشاء. ومع تكرار التجربة تقل حساسية الدماغ للمثيرات الأخرى. بمعنى آخر يفقد الشخص شعوره بالمتعة بأي نشاط آخر. وتتغير أولويات الدماغ كي يلاحق الإنسان فقط ما يسبب هذا الإفراز العالي للدوبامين. وينتج عندها الإدمان السلوكي أو إدمان المواد المخدرة بل وحتى السكر والأطعمة عالية الدهون. والواقع أن حساسية الخلايا للدوبامين تصبح أقل مع تكرار السلوك الإدماني. لذلك يصبح الشخص بحاجة لجرعات أعلى من المادة المخدرة حتى يصل لنفس مستوى الشعور بالانتشاء.
على ضوء ما تقدم ما هو الإدمان السلوكي؟
مع تعمق العلماء في سلوك الدماغ الذي ذكرناه في الفقرة السابقة. تبين أن هناك بعض الأفعال والسلوكيات التي تسبب نفس الآلية. أي سلوكيات لا تتضمن أي مواد مخدرة أو طعام. ومن أهمها المقامرة والعلاقات الجنسية والYنترنت والشبكات الاجتماعية بل وحتى ألعاب الفيديو.
على النحو الآخر وبخصوص الجانب العلمي من الموضوع. تبين وجود بروتين ينتجه الدماغ بنسبة عالية عند التعرض لاستثارة ما بشكل متكرر. وهذا البروتين يسبب تغيراً وظيفياً في الدماغ ويتم إفرازه عند سلوكيات لا تتضمن مواداً مخدرة مثل الإفراط في التسوق او استخدام الشبكات الاجتماعية. وهذه السلوكيات تسبب فعلاً نفس الاضطرابات الوظيفية التي تسببها المواد الإدمانية مثل أعراض الانسحاب والتعود. وكما يزيد مدمنن الكوكايين من الجرعة ليصل لنفس مستوى السعادة السابق. يعمل الإدمان السلوكي على زيادة الجرعة بطريقته الخاصة. على سبيل المثال يقوم المقامر بتزويد مبلغ الرهان. وكذلك الأمر بالنسبة لأعراض الانسحاب.
التشابه بين الإدمان السلوكي وإدمان المواد
وبالرغم من الفروقات الشخصية بين الأفراد لكن اتضح أن الإدمان السلوكي يمتلك بعض السمات المشتركة التي تشيع بين المدمنين. مثل الخداع والإنزواء والانسحاب الاجتماعي وتفضيل السلوك الإدماني على كل أمر آخر.
وهذا التشابه بين الإدمان السلوكي وإدمان المخدرات دفع العلماء للشك في كون الإدمان مرض ذو أصل واحد. وذلك بغض النظر عن المسبب. ونتيجة لذلك بدأ العلماء يفكرون بتعريف جديد للإدمان.
بمعنى آخر ولتوضيح الفكرة يمكن تشبيه الإدمان بمرض الإيدز. فمع بداية اكتشاف المرض كان الأطباء يعالجون كل عرض من أعراضه على حدى كمرض منفصل. في حين كان أصل المرض فيروس واحد يتطلب علاجاً موحداً بالرغم من أشكال العدوى المختلفة.
نتيجة لذلك بدأ العلماء يقترحون تعريفاً جديداً موحداً للإدمان: هو مرض مزمن أولي يصيب دارة المكافأة في الدماغ. بالإضافة إلى ذلك فقد تم إضافة باب جديد لسجل الاضطرابات النفسية والعقلية. وتم تخصيص هذا الباب للحديث عن الإدمان السلوكي. وفيه ملحقات خاضعة للبحث حالياً حول القمار والجنس والإنترنت وما زال الباب مفتوحاً لأنواع جديدة من الإدمان. أما منظمة الصحة العالمية فقد أضافت اضطراب عقلي جديد هو اضطراب ألعاب الفيديو. وبالطبع كان هذا وسط اعتراضات كثيرة من شركات الألعاب وبعض العلماء.
أحياناً ما يكون الخطر أقرب إلينا مما نظن. فقد تحسب أن هواية ألعاب الفيديو ليست مضرة. لكن وبدون أن تشعر تبدأ باستهلاك وقتك وحياتك وعلاقاتك الاجتماعية. والاعتراف بوجود المشكلة هو نصف الطريق إلى حلها. لا تقارن نفسك بغيرك وتخدع نفسك بأنك قادر على ضبط إدمانك على الألعاب. بل يجب أن تعترف لنفسك بوجود المشكلة بغض النظر عن كون الآخرين يعانون منها أم لا. ونأمل في مدونة ملهمون أن تحافظوا على أدمغة صحية وتعمل بشكل جيد لأن هذا ما يحدد أسلوب حياتكم بالكامل. ونتمنى دوام الصحة والعافية لكم ولمن تحبون.
تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما